للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَيْسَ معنى أتصير الاشياء كلهَا لَهُ شَيْئا وَاحِدًا أَن تصير المخالفات لَهُ موافقات فَيكون مَا نهى عَنهُ كَمَا أَمر بِهِ وَلَكِن على معنى أَن لَا يجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا مَا أَمر بِهِ وَمَا يرضاه الله تَعَالَى دون مَا يكرههُ وَيفْعل مَا يفعل لله لَا لحظ لَهُ فِيهِ فِي عَاجل أَو آجل

وَهَذَا معنى قَوْلهم يكون فانيا عَن أَوْصَافه بَاقِيا بأوصاف الْحق لَان الله تَعَالَى إِنَّمَا يفعل الاشياء لغيره لَا لَهُ لانه لَا يجر بِهِ نفعا وَلَا يدْفع بِهِ ضرا تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَإِنَّمَا يفعل الاشياء لينفع الاغيار أَو يضرهم

فالباقي بِالْحَقِّ الفاني عَن نَفسه يفعل الاشياء لَا لجر مَنْفَعَة إِلَى نَفسه وَلَا لدفع مضرَّة عَنْهَا بل على معنى أَنه لَا يقْصد فِي فعله جر الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة قد سَقَطت عَنهُ حظوظ نَفسه ومطالبة مَنَافِعهَا بِمَعْنى الْقَصْد وَالنِّيَّة وَلَا بِمَعْنى أَنه لَا يجد حظا فِيمَا يعْمل مِمَّا لله عَلَيْهِ يَفْعَله لله لَا لطمع ثَوَاب وَلَا لخوف عِقَاب وهما أعنى الْخَوْف والطمع باقيان مَعَه قائمان فِيهِ غير أَنه يرغب فِي ثَوَاب الله لموافقة الله تَعَالَى لانه رغب فِيهِ وَأمر أَن يسْأَل ذَلِك مِنْهُ وَلَا يَفْعَله للذة نَفسه وَيخَاف عِقَابه إجلالا لَهُ وموافقة لَهُ لانه خوف عباده وَيفْعل سَائِر الحركات لحظ الْغَيْر لالحظ نَفسه كَمَا قيل الْمُؤمن يَأْكُل بِشَهْوَة عِيَاله

أنشدونا لبَعْضهِم ... أفناه عَن حَظه فِيمَا ألم بِهِ

فظل يبقيه فِي رسم ليبديه

ليَأْخُذ الرَّسْم عَن رسم يكاشفه

والسر يطفح عَن حق يراعيه ...

فجملة الفناء والبقاء أَن يفنى عَن حظوظه وَيبقى بحظوظ غَيره

فَمن الفناء فنَاء عَن شُهُود المخالفات والحركات بهَا قصدا وعزما وَبَقَاء فِي شُهُود الموافقات والحركات بهَا قصدا وفعلا وفناء عَن تَعْظِيم مَا سوى الله وَبَقَاء فِي تَعْظِيم الله تَعَالَى

<<  <   >  >>