للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَصُورَة الْإِيمَان الْحَقِيقِيّ والرسمي فِي الظَّاهِر صُورَة وَاحِدَة وحقائقها مُخْتَلفَة فَأَما الفناء وَغَيره من مقامات الإختصاص فَإِن صورها مُخْتَلفَة وحقائقها وَاحِدَة لِأَنَّهَا لَيست من جِهَة الإكتساب لَكِن من جِهَة الْفضل

وَقَول من قَالَ إِن الفاني يرد إِلَى أَوْصَافه محَال لِأَن الْقَائِل إِذْ أقرّ بِأَن الله تَعَالَى اخْتصَّ عبدا واصطنعه لنَفسِهِ ثمَّ قَالَ إِنَّه يردهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ يخْتَص مَالا يخْتَص ويصطنع مَالا يصطنع وَهَذَا محَال

وجوازه من حهة التربية وَالْحِفْظ عَن الْفِتْنَة لَا يَصح أَيْضا لِأَن الله تَعَالَى لَا يحفظ على العَبْد مَا آتَاهُ من جِهَة السَّلب وَلَا بِأَن يردهُ إِلَى الأوضع عَن الأرفع وَلَو جَازَ هَذَا جَازَ أَن لَا يحفظ مَوَاضِع الْفِتَن من الْأَنْبِيَاء بِأَن يردهم من رُتْبَة النُّبُوَّة إِلَى رُتْبَة الْولَايَة أَو مَا دونهَا وَهَذَا غير جَائِز

ولطائف الله تَعَالَى فِي عصمَة أنبيائه وَحفظ أوليائه من الْفِتْنَة أَكثر من أَن تقع تَحت الأحصاء وَالْعد وَقدرته أتم من أَن تحصر على فعل دون غَيره

فَأن عورض بِالَّذِي آتَاهُ آيَاته {فانسلخ مِنْهَا} لم يعْتَرض لِأَن الَّذِي انْسَلَخَ لم يكن قطّ شَاهد حَالا وَلَا وجد مقَاما وَلَا كَانَ مُخْتَصًّا قطّ وَلَا مصطنعا بل كَانَ مستدرجا مخدوعا ممكورا بِهِ

وَإِنَّمَا أجْرى على ظَاهره من اعلام المختصين وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة من المردودين وَإِنَّمَا حلى ظَاهره بالوظائف الْحَسَنَة والأوراد الزكية وَهُوَ فِي الْقلب مَحْجُوب السِّرّ لم يجد قطّ طعم الْخُصُوص وَلَا ذاق لَذَّة الْإِيمَان وَلَا عرف الله قطّ من جِهَة الشُّهُود كَمَا أخبر الله تَعَالَى عَنهُ بقوله {فَكَانَ من الغاوين} وكما أخبر عَن إِبْلِيس بقوله {وَكَانَ من الْكَافرين}

<<  <   >  >>