للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عِنْده غَالِبا إِلَّا من يسْلك مَعَه ذَلِك والإعراض عَمَّا يسلكه غَيره من التَّعْزِيَة والتهنئة إِلَّا فِي النَّادِر معتذرا بِعَدَمِ الْإِخْلَاص فِي ذَلِك وَإِلَيْهِ النِّهَايَة فِي حسن الْعشْرَة والممازجة مَعَ أَصْحَابه ومداعبتهم وملاطفتهم لكنه لَا يعْتَرف لكبير أحد بِالْعلمِ، نعم كَانَ شَيخنَا عِنْده فِي الذرْوَة بِحَيْثُ أَنه أَنْشدني أبياتا فِي مدحه وأثبتها لي بِخَطِّهِ، وَوَصفه شَيخنَا على نسخته من شرح النخبة من تصانيفه بالشيخ الإِمَام الأوحد الْفَاضِل البارع جمال المدرسين مُفِيد الطالبين وَأذن لَهُ فِي رِوَايَته عَنهُ مَعَ جَمِيع مروياته وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين، وَلَو كَانَ طلق اللِّسَان كَانَ كلمة إِجْمَاع وَلَكِن كِتَابَته دَالَّة على توسعه فِي الْعُلُوم ومزيد استحضاره لَهَا وَإِن كَانَ بعض من قصر عَن حفظه أمتن فِي التَّحْقِيق مِنْهُ، وَهُوَ مِمَّن يمِيل إِلَى ابْن عَرَبِيّ وَرُبمَا ناضل عَنهُ وَمَعَ ذَلِك فَلَمَّا أبديت عِنْده شَيْئا من كَلِمَاته انزعج وَقَالَ هَذَا كفر صراح لَكِن حَتَّى يثبت عَنهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فقد صَار عَلامَة الدَّهْر وأوحد الْعَصْر ونادرة الزَّمَان وفخر)

هَذَا الْوَقْت والأوان الْأُسْتَاذ فِي الْأَصْلَيْنِ وَالتَّفْسِير والنحو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والمنطق والهيئة والهندسة وَالْحكمَة والجدل والأكر والمرايا والمناظر مَعَ مُشَاركَة حَسَنَة فِي الْفِقْه والطب ومحفوظ كثير من الْأَدَب وَاسْتِعْمَال للنثر فِي كتاباته بل رُبمَا اخترع بعض الْعُلُوم، وَقد عظمه الْمُلُوك خُصُوصا ملك الرّوم ابْن عُثْمَان فَإِنَّهُ لازال يكاتبه بِمَا أثبت بعضه فِي مَكَان آخر وَيهْدِي إِلَيْهِ الْهَدَايَا السّنيَّة، وامتدحه غير وَاحِد من شعراء الْوَقْت كالشهاب المنصوري. وَقَالَ الْبَدْر حسن بن إِبْرَاهِيم الخالدي الْمَاضِي:

(لَك الله محيي الدّين بَحر مَكَارِم ... وبحر عُلُوم لَا يحاط عميقه)

(فيا مجمع الْبَحْرين قد فقت حاتما ... وَفِي الْفضل للنعمان أَنْت شقيقه)

وَكَانَ كثير الإجلال حَسْبَمَا بَينته فِي مَوضِع آخر، وَلم يزل على جلالته ووجاهته إِلَى أَن ابْتَدَأَ بِهِ الْمَرَض فِي أَوَائِل الْمحرم سنة تسع وَسبعين بالزحير وتوالي الإسهال بِحَيْثُ كَانَ يَعْتَرِيه غم بِسَبَبِهِ وَلَا يُمكن كَبِير أحد من الْجُلُوس مَعَه غَالِبا، ثمَّ مَاتَ بعد أَن سَمِعت مِنْهُ أَن السُّلْطَان عينه لمشيخة مدرسته فِي تتمات كتبتها فِي الوفيات وَغَيرهَا فِي صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الثَّانِيَة مِنْهَا وَحمل نعشه حَتَّى صلى عَلَيْهِ بسبيل المؤمني باستدعاء السُّلْطَان لَهُ وشهوده الصَّلَاة عَلَيْهِ ثمَّ دفن بحوش كَانَ أعده لنَفسِهِ وحوطه قبل مَوته بِثَلَاثَة أَيَّام بجوار سَبِيل التربة الأشرفية كَانَ هُوَ يدْفن بِهِ الغرباء المترددين إِلَيْهِ وَنَحْوهم، وتأسف النَّاس على فَقده وَلم يخلف مثله رَحمَه الله وإيانا. مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن أبي بكر الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي نزيل الْقَاهِرَة. ولد

<<  <  ج: ص:  >  >>