وقضاه شيخ الْإِسْلَام عَلامَة الْأَئِمَّة الْأَعْلَام بركَة الْأَنَام والمحيي لما لَعَلَّه اندرس من الْعُلُوم بتوالي اللَّيَالِي وَالْأَيَّام مفخر أهل الْعَصْر والغرة المشرقة فِي جبهة الدَّهْر مجمع المحاسن الوافرة ومشرع القاصدين لعلوم الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْفَائِق فِي سياسته وَذريته وَالسَّابِق بمداراته وَرَحمته مسعد الْأَيْتَام والأرامل مرفد الغرباء فِي حالتي الْجدّة والإعدام والأفاضل من العقد الْإِجْمَاع على رياسته وَانْفَرَدَ بِدُونِ نزاع بوجاهته وجلالته فالنفوس المطمئنة لَا تركن لغير كَلَامه والرؤس اللينة لَا نطمئن إِلَّا فِي ائتمامه لإشاراته تصغي الْمُلُوك وبسفاراته يرتقي الْغَنِيّ فضلا عَن الصعلوك المعرب فعله عَن صِفَات بالْعَطْف تمييزها تَأَكد وَالْمغْرب بِمَا انْفَرد بِهِ عَن الكافة مِمَّا اسْترق بِهِ الْأَحْرَار واستعبد مجالسه محتفة بالفضلاء من سَائِر الْمذَاهب ومدارسته مشرفة بالنبلاء من أهل الْمَشَارِق والمغارب مِمَّن يقْصد الاستمداد مِنْهُ ويتعبد بالاستعداد للأخذ عَنهُ ويروا لكَوْنهم لم يبلغُوا مده وَلَا نصيفه وَقَول شبههم بِهِ لما علمُوا تصرفه وتصريفه وَقد أَقرَأ علوما كَثِيرَة وَلم يكن فِي الْجُمْلَة ينْهض للمشي مَعَه إِلَّا من هُوَ فِي التَّحْقِيق وَحسن النّظر تَامّ البصيرة إِذْ هُوَ بَطل لَا يجارى وجبل لَا يتزحزح وَلَا يمارى مَعَ كَثْرَة الْإِنْصَاف والشهرة بِعَدَمِ الرغبأ فِي الاعتساف وَكَذَا حدث بالكتب الْكِبَار فَكَانَ يُبْدِي من الأبحاث والأنفار مَا سَارَتْ بِهِ الركْبَان ودارت فِيهِ أفكار أَئِمَّة الْعرْفَان وَخرج لَهُ الْعِزّ بن فَهد تخريجا هائلا بالمحاسن يتلالا وَلم يزل على مكانته وجلالته مَعَ مزِيد تَعب قلبه وقالبه وشديد)
تكره بِمَا لَا تحتمله الْجبَال وَلَا يصل مَعَه إِلَى جَمِيع مآربه بِحَيْثُ توالى عَلَيْهِ النَّقْص فِي بدنه ووالى لذَلِك التَّدَاوِي بحقنه إِلَى أَن انْقَطع أسبوعا من بعد صَلَاة الْجُمُعَة بالحمى الْبَارِدَة ثمَّ عمل لَهُ مخرج وَانْطَلق بِهِ بَطْنه بِحَيْثُ حصل لقُوته ضعف وَاسْتمرّ بِهِ حَتَّى مَاتَ مكرما بِالشَّهَادَةِ وَهُوَ حَاضر الذِّهْن إِلَى حِين طُلُوع روحه فِي عشَاء لَيْلَة الْجُمُعَة سادس ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين ففجع النَّاس لذَلِك فجعة عَظِيمَة وَحصل عَلَيْهِ من نحيبهم وبكائهم مَا لَا يعبر عَنهُ فَجهز فِي ليلته وَصلى عَلَيْهِ وَلَده الجمالي عِنْد الْحجر الْأسود على عَادَتهم بعد نِدَاء الرئيس للصَّلَاة عَلَيْهِ فَوق قبَّة زَمْزَم وَوَصفه بِأبي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والأيتام والأرامل وَغير ذَلِك فازداد النَّاس نحيبا لذَلِك وَلم يتَخَلَّف عَن مشهده إِلَّا من شَذَّ بِحَيْثُ لم ير بِمَكَّة وَلَا سمع فِيهَا بأعظم من مشهده وَحضر صَاحب الْحجاز وَأَوْلَاده مشَاة بل وعادوا مَعَ وَلَده لبيته كَذَلِك مَعَ أَنه لم يكن بِمَكَّة وَقت مماته وَإِنَّمَا كَانَ بِالْبرِّ بِنَاحِيَة الْيمن بِالْقربِ من مَكَّة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute