وَبعد مسيرَة خَمْسَة فراسخ على شاطىء الْبَحْر بلغنَا مَدِينَة صور وَهِي ساحلية أَيْضا وَقد بنيت على صَخْرَة امتدت فِي المَاء بِحَيْثُ أَن الْجُزْء الْوَاقِع على الْيَابِس من قلعتها لَا يزِيد على مائَة ذِرَاع وَالْبَاقِي فِي مَاء الْبَحْر والقلعة مَبْنِيَّة بِالْحجرِ المنحوت الَّذِي سدت فجواته بالقار حَتَّى لَا يدْخل المَاء من خلله وَقد قدرت الْمَدِينَة بِأَلف ذِرَاع مربع وأربطتها من خمس أَو سِتّ طَبَقَات وَكلهَا متلاصقة وَفِي كثير مِنْهَا نافورات وأسواقها جميلَة كَثِيرَة الْخيرَات وتعرف مَدِينَة صور بَين مدن سَاحل الشَّام بالثراء ومعظم سكانها شيعَة وَالْقَاضِي هُنَاكَ رجل سني اسْمه ابْن أبي عقيل وَهُوَ رجل طيب ثري وَقد بني على بَاب الْمَدِينَة مشْهد بِهِ كثير من السجاجيد والحصير والقناديل والثريات المذهبة والمفضضة وصور مشيدة على مُرْتَفع وتأتيها الْمِيَاه من الْجَبَل وَقد شيد على بَابهَا عُقُود حجرية يمر من فَوْقهَا إِلَى الْمَدِينَة وَفِي الْجَبَل وَاد مُقَابل لَهَا إِذا سَار السائر فِيهِ ثَمَانِيَة عشر فرسخا نَاحيَة الْمشرق بلغ دمشق
بعد أَن سرنا سَبْعَة فراسخ من صور بلغنَا عكة وتكتب هُنَاكَ مَدِينَة عكة وَهِي مشيدة على مُرْتَفع بعضه من أَرض وعرة وَبَعضه سهل وَلم تشيد الْمَدِينَة فِي الْوَادي المنخفض مَخَافَة غَلَبَة مَاء الْبَحْر عَلَيْهَا وخشية أمواجه الَّتِي تعج على السَّاحِل وَمَسْجِد الْجُمُعَة فِي وسط الْمَدِينَة وَهُوَ أَعلَى مبانيها وأعمدتها كلهَا من الرخام وَيَقَع قبر صَالح النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام خَارجه على يَمِين الْقبْلَة وساحته بَعْضهَا من الْحجر وَبَعضهَا الآخر مزروع وَيُقَال إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يزرع هُنَاكَ ومسحت الْمَدِينَة فَكَانَ طولهَا ألفي ذِرَاع وعرضها خَمْسمِائَة وَلها قلعة غَايَة فِي الإحكام يطلّ جانباها الغربي والجنوبي على الْبَحْر وعَلى الْأَخير ميناء ومعظم مدن السَّاحِل كَذَلِك والميناء اسْم يُطلق على الْجِهَة الَّتِي بنيت للمحافظة على السفن وَهِي تشبه الاسطبل وظهرها نَاحيَة الْمَدِينَة وحائطاها داخلان فِي الْبَحْر وعَلى امتدادهما مدْخل مَفْتُوح طوله خَمْسُونَ ذِرَاعا وَقد شدت السلَاسِل بَين