قال: فأيّ الأشياء بك منذ كنت بها أسرَّ، وأي شيء بوقوعه كنت أشدُّ اكتئابا؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم يقطع الظَّهر قطع الولد شيء، ولا دفع البلاء والمصائب مثل إفادة المال، والله يا أمير المؤمنين إن المال ليقع من القلب موقعا ما يقعه شيء، وإن الولد الصالح ليمثل منزلة المال، ولكن للمال فضيلة عليه، وإن كان طلب المال إنما يجمعه لولده، فإنه آثر عنده منه، لأنه قد يمنعه المال إذا طلبه منه، وإن كان يثّمره له فهو أحلى متاع الدنيا عند أهل الدنيا.
فقال معاوية: ليس كل أحد على رأيك، للمال حال، والولد حبَّة القلب ووتد النفس، وقطبة العيش، لا خير في المال لمن لا ولد له إلا أن يكون مالا ينفقه في سبيل الله.
فقال فضالة: يا أمير المؤمنين،
وما العيش إَّلا المال فاحفظ فضوله … ولا تهلكنه في الضَّلال فتندم
فإنِّي وجدت المال عزَّا إذا التقت … عليك ظلال الحرب ترهم بالدَّم
إذا جلَّ خطب صلت بالمال حيثما … توجَّهت من أرضي فصيح وأعجم
وهابك أقوام وإن لم تصبهم … بنفع، ومن يستغن يحمد ويكرم
وتعطي الَّذي يبغي وإن كان باخلا … بما في يديه من متاع ودرهم
وفي الفقر ذلُّ للرِّقاب وقلَّ ما … رأيت فقيرا غير نكس مذمَّم
يلام وإن كان الصَّواب بكفِّه … ويحمد آلاءُ البخيل المدرهم
كذلك هذا الدَّهر يرفع ذا الغنى … بلا كرم منه ولا بتحلُّم
ولكن بما حازت يداه من الغنى … يصير أميرا للَّئيم الملطَّم