تلقى الرياسة أو تموت بطعنة … والموت يأتي من نأَى وتجنَّبا
قالوا: دعا المنذر ابنه النعمان، وهو غلام شاب، فقال:" يا بنيّ، إن لي فيك رأيا دون غيرك من لدي، فإني آمرك بما أمرني به والدي، وأنهاني عما نهاني عنه والدي، آمرك بالذلّ في عرضك، وذلك أن تكون ذلولا بالمعروف، وعليك بالانخداع في مالك، وأُحبُّ لك خلوة اللّيل وطول السَّمر، وأكره لك إخلاف الصديق، واطّراف المعرفة، واتهاك عن ملاحاة الحلماء ومواح السفهاء، إن لك عقلا وجمالا ولسانا، فاكتس من ثناء الناس ما يؤيد جمالك، ودع الكلام وأنت عليه قادر، وليكن لك من عقلك خبئ تدَّخره أبدا ليوم حاجتك.
ثم قال:
إنَّ ظنِّي بمن أَمرتُ بأَمري … حسنَ إن أَعانت الأذنان
باستماع وما ظفرت بشيء … إن نبا مقولي عن النعمان
قد تفرَّست في بنيّ وفيه … فإذا الأمر ليس بالمتداني
فلئن تمّ ما أُؤَمل فيه … ما له في بني الملوك مدان
وله ألظُّ في الجمال وفي العقل … وحظّ من مهلة ولسان
قالوا: وأوصى مالك بن المنذر البجلي بنيه، وكان قد أصاب دما في قومه، فخرج هاربا بأهله حتى أتى بهم بني هلال، فلما احتضر أوصى بنيه، وأمرهم أن يعطوا قومه النِّف من حدثه الذي أَحدثه فيهم، وقال: " يا بني، قد أتت عليّ ستون ومائة سنة ما صافحت بيميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلّة فاجر، ولا صبوت بابنه عم لي ولا كنَّة، ولا طرحت عندي