ولا تحاسدوا فتذلّوا، ولا تواكلوا فتفشلوا، تعاطفوا يصلب عودكم، وتقاربوا، وتحابّوا يظهر حزمكم، وأقلّوا المنطق ترهبوا، وتساخوا الفعال، وأميتوا الضغائن تحمدوا العواقب، واستعينوا على محاربة عدوكم بذكر المعاير، والهرب منها كرم، والتخوف لها جهاد، أزيلوا عنكم نيّة البغي، وألزوما قلوبكم الإنصاف وعزيمة العفو تنصروا، ولتكن أعلامكم ذوي الرأس منكم، وأنزلوهم منزلة الآباء في التقليد والإنفاذ لأمرهم، فإن أعظم مصائب القوم خلاف الشَّفيق المصيب، وطاعة المصيب ظفر، واتباعه يمن، وإذا حاربتم قوما فأطيلوا مواقفتهم، وتأمّلوا فيهم الفرصة، وإن أمكنكم البيات ففيه الظفر بعدوكم، وإن منحوكم أكتافهم فوسِّعوا عليهم المسرب، ونهنهوا عن لجم المذاكي، وعند تلك فأحبوا فراقهم، فإن العافية لمن اعتصم بها، ليرعكم ربُّكم ".
قالوا: وأوصى زهير بن جناب فقال: " يا بنيّ، قد كبرت سنِّي، وبلغت حرسا " يعني دهرا من عمري " وأحكمتني التجارب، والأمور تجربة واختبار، فاحفظوا عني ما أقول، وعوه، إياكم والخور عند المصائب، والتواكل عند النوائب، فإن ذلك داعية للغمّ، وشماتة لعدو، وسوء الظنّ بالربّ، وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترّين، ولها آمنين، ومنها ساخرين، فإنه والله ما سخر امرؤ قط إلا ابتلى، ولكن استعفوا منها، وتوقّعوها؛ فإنما الإنسان في الدنيا غرض، تعاوره الرماة، فمقصّر دونه، ومجاوز لموضعه، وواقع عن يمينه وشماله، ثم لابدّ أنه مصيبه ".