وقد كان من عادة العرب في الجاهلية إذا أسن فيهم كبير أن يتركوه لَقَىً في الدار كالمتاع، ويجرون عليه طعامه وشرابه، فإذا رحلوا حملوه، وإذا حَطُّوا ألَقَوْه هَمَلًا دون توقير، ولذا فقد كثرت الشكوى من المعمرين بهذا الخصوص، في كتاب أبي حاتم، يعرضون شكواهم على أبنائهم في ذلة وانكسار استدرارا للعطف ونيلا للرضا والتوقر، وكانوا في هذا يألمون أشد الألم نفسيا وعضويا، وقد نهى الإسلام عن هذه العادة المرذولة في قوله تعالى:"وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرُهُمَا، وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" ودعا لتركها رسول الله ﷺ، فطالب المسلم بإكرام ذى الشيبة في قوله:"لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا. . ."
ويعتبر التراث الشعرى الذي جمعه أبو حاتم السجستاني في كتابه "المعمرين" من أهم المصادر التاريخية لحياة العرب في الجاهلية، ففيه يجد الدارس إشارات لوقعات ومعارك مجهولة، وإضافات لحقائق تاريخية، وتصويبات لأسماء مشهورة إلى غير هذا مما يعنى به المؤرخون وأصحاب التراجم.
* * *
وإذا كان كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني أسبق الكتب المعروفة التي تناولت مادّتها طرفا من المعمرين وأخبارهم فإن الكتاب يعتبر من ناحية أخرى أَوْفَى الكتب في الإحاطة بأخبار المعمرين، بل إنه يمثل الكتاب الأمّ الذي حذا حذو أبي حاتم فيه المؤلفون الذين جاءوا من بعده، مثل كتاب "الغرر والدرر" لعلى المرتضى، وكتاب "محاضرات الأدباء" للراغب الأصفهاني، وكتاب "التذكرة"