وإياكم والحرص فإنه من أسباب المتالف، واتخذوا الزهد جنة تسترح أبدانكم، وإياكم والفرقة فإنها ذلّ، ولا تكلفوا أنفسكم فوق طاقتها فتعجزوا، فلأن تلاموا وبكم قوة خير من أن تعانوا بالعجز، وعليك بالجد فإنّ به يمنع الضيم، وإياكم والتفريط فيه يكون الخلل، ولا أجدبتم أبدا، ولا غلبتم - أو - قال - ولا خذلتم.
حدثنا أبو حاتم قال: وذكر بعض أهل العلم أن هشام بن عبد الملك أرسل إلى سليمان الكلبي، وكان رجلا جامعا للأدب فاضلا، ذا رأى.
قال سليمان: فدخلت عليه، وهو في غرفة له، قد علا نفسي. وانتفخ سحري، فسلمت عليه، فردّ عليّ، وأضرب عني حتى سكن جأشي، ثم قال لي: - يا سليمان، قد بلغني عنك ما أحب، وإذا بلغني عن أحد من رعيتي مثل الذي بلغني عنك أسرعت إليه بما يحب، واستعنت به على مهم أمري، وإن محمد ابن أمير المؤمنين بالمكان الذي بلغك، وهو جلدة ما بين عيني، وإني أرجو أن يبلِّغ الله به أفضل ما بلّغ بأحد من أهل بيته، وقد ولاك أمير المؤمنين تأديبه وتعليمه، وماله، والنظر فيما يصلح الله به أمره، فعليك بتقوى الله، وأداء الأمانة فيه، فإنك تقصد فيه بخصال، لو لم تكن إلا واحدة كنت قمنا ألاّ تضيّعها، فكيف إذا اجتمعت؟ أما أولها فإنك مؤتمن عليه، وحقّ لك أداء الأمانة فيه؛ وأما الثانية فأنا إمام ترجوني، وتخافني؛ وأما الثالثة فكلما ارتقى الغلام في الأمور درجة ارتفعت معه، ففي هذا ما يرغبّك فيما أوصيك به، فادخل عليه في خاصّة أهل القرآن، وذوي الأسنان، فإنك منهم بين خصلتين، إما أن يسمع منهم كلاما فيعيه ويحفظه فيكون لك صونه وذكره، وإما أن يراهم الناس يخرجون من عنده فيرون أنكم على مثل ما هم عليه.