ولا تدخل عليه الفسّاق ولا شربة الخمر، فإنك منهم بين خصلتين، إما أن يسمع منهم كلاما قبيحا فيعيه ويحفظه ويأخذ به فتريد تحويله عن ذلك فلا تقدر عليه، وإما أن يراهم الناس يخرجون من عندكم فيرون أنكم على مثل ما هم عليه.
وانظر إذا سمعت منه الكلمة العوراء فلا تؤنبه بها فتمحِّكه، ولكن احفظها عليه، فإذا قام من مجلسه فانقله إلى ما هو أحسن منه؛ وإذا سمعت منه الكلمة المعجبة ففطِّن القوم لها، فإنهم عسى ألا يكونوا فهموها وفهمتها باهتمامك بها، حتى يقوموا وقد سمعوا منه كلاما حسنا، ويروونه عنه، ويرفعونه به.
وإذا حضر الناس أبوابكم فعجلوا إذنهم، ثم ليحسن بشركم بهم، وأطيبوا للناس طعامهم، فإذا فرغوا من الغذاء والعشاء فمن أحب أقام للحديث من قبل نفسه، ومن أحب انصرف إلى أهله، فإن للناس حوائج عند زيارتكم، وإذا أعطيتم أهل القرآن وحملة العلم وأهل الفضل فإنكم تؤجرون على إعطائهم إلا أن يكون في سبب النجدة أو وسيلة، فإنكم ملوك، والناس سوق، وإنما تسودون الناس ويطأون أعقابكم ببارع الفضل ولين الجناح.
قال الشاعر:
فإنَّك لن ترى طردا لحرّ … كإلصاق به بعض الهوان
ولم تجلب مودَّة ذي وفاء … بمثل البذل أو لطف اللِّسان
وخذه بعلم نسبه في العرب حتى لا يخفى عليه منه قليل ولا كثير، وعلّمه منازل القمر، وأنواع الخطب، ومواضع الكلام، ومعرفة الجواب.
وإن هو احتبس عن تأديبه ومروّاته فادخل عليه، وإن كان من أهله في لحافه حتى تجرّ برجله إلى ما ينفعه الله به، وإياك أن تكتم عليه، فيؤدي ذلك إليّ غيرك، فأنزل لك عما يسرُّك إلى ما يضرُّك، ولا يخرجنَّ إلا معتمَّا، ولا يركبنّ