للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال له معاوية: وما أدركت؟ قال: أدركت يوما في أثر يوم، وليلة في أثر ليلة متشابها كتشابه الحذف يحدوان بقوم في ديار قوم يكذبون، وما يبيد عنهم ولالا يعتبرون بما مضى منهم، حيُّهم يتلف، وملودهم يخلف، في دهر قد تصرف أيامه، تقلَّب بأهلها كتقلبها دهرها، بينا أخوة في الرَّخاء إذا صار في البلاد، وبينا هو الزيادة إذ أدركه النُّقصان، وبينا هو حرّ إذا أصبح فيئا لا يدوم على حال، ولا تدوم له حال، بين مسرور بمولود ومحزون بمفقود، فلولا أن الحيّ يتلف لم يسعهم بلد، ولولا المولود يخلف لم يبق أحد.

قال معاوية: يا عبيد، أخبرني عن المال، أية أحسن في عينك؟ قال: أحسن المال في عيني، وانفعه غناء، وأقلُّه عناء، وأبعده من الآفة، وأجداه على العامة عين خرارة في أرض خوارة، إذا استودعت أَدَّت، وإن استحلبتها درَّت فأفعمت، تعُولُ ولا تُعال.

قال معاوية: ثم ماذا؟ قال: فرس في بطنها قد ارتبطت منها فرسا.

قال معاوية: فأي النَّعم أحب إليك؟ قال: النَّعم لغيرك يا أمير المؤمنين.

قال: فلمن؟ قال: لمن فلاها بيده وباشرها بنفسه.

قال معاوية: حدثَّني عن الذهب والفضة.

قال: حجران إن أخرجتهما نفذا، وإن خزنتهما لم يزد.

قال معاوية: فأخبرني عن قيامك وقعودك، وأكلك وشربك، ونومك، وشهوتك للباءة.

قال: أما قيامي فإن قمت فالسماء تبعد، وإن قعدت فالأرض تقرب؛

<<  <  ج: ص:  >  >>