للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالَ، عندي مجلسٌ مونِقٌ ... يزيد أضعافاً على المونقِ

ونرجسٌ أبلقُ والنفس لا ... تمَلُّ قرب النرجس الأبلق

وكلنا من نمطٍ واحدٍ ... في الرأي والمذهب والمنطق

وكتب كشاجم:

عندي معتَّقة كودِّك صافية ... ونديمك الدَّمِث الرقيق الحاشية

وإذا طربتَ إلى السماعِ ترنَّمت ... بيضاء زاهية تسمىَّ زاهية

وتجيبها سوداء تُعمِلُ نايَها ... فتريك كافوراً يقاوم غالية

٣ف - احضُر فقد حضر السرور ولا تدع يوماً يفوتك، فهي دنيا فانية وقد آثر الظرفاء في إسقاط التصنع في هذا الباب ما هو أليق بالمؤانسة وأنفى للانقباض والحشمة، ولو لم يكن في الاحتفال من النقيصة، و [في] الاقتضاب من الفضيلة إلاَّ أن المحتفل قد ضيَّق على نفسه العذر في تقصير كان منه، والمقتضب مُغتفرٌ له ذلك، وكفى ذلك.

وكتب محمد بن الحسين إلى صديق له:

قم بنا نقتضب صبوحلً مليحاً ... يُسعِدُ الله فيه لي بك جَدِّي

لم أُبيتْ له اعتزاماً من الليل ولا قلت كُنْ فديتك عندي

فهو طيباً وموقعاً كحبيبٍ ... جاءَني زائراً على غير وَعْدِ

وكان محمد بن نصر بن بسَّام يقول: قبَّح الله علياً - يعني ابنه - فما أخوفنا من هجائه، وأَنشَد قوله:

خبيصةٌ تُعقد من سُكرة ... وبرمة تطبخ من قُبرَّة

وليس ذا في كل أيَّامِهِ ... لكنه في الدعوة المنكرة

فأما الأول فإنه يدل على ظرف الطبَّاخ، وظرف يده لأنه من مدحه أن يوصف بأنه يطبخ من الطائر ألواناً، وأما الدعوة المنكرة فإنه جعلني متصنعاً محتفلاً، ولعلَّ نعمتي وهمتي تشهدان بغير ذلك.

وكان آخر لا يسرع في شيءٍ من الدعوة حتى يحضر إخوانه ويأمنَ تخلّفهم فحينئذ يأمر بإصلاح ما يقدره لمن حصل منهم، فلا يلحقُ طعامهم حتى يتصرم يومُهم وتضطرم نار الجوع في أحشائهم. وقال فيه بعضهم:

خاف الضياع على شيءٍ يعجله ... من المطاعم إن إخوانُه ثقلوا

فليس تعلو على الكانون برُمته ... حتى يرى أنهم في البيت قد حَصَلوا

قال: حدثني من أثق به عن بعض البخلاءِ أنه دعا قوماً فابتاع لهم جدياً وأشفق أن يذبحه ولا يحضرُه كهيئة المسموط وإن تأخروا استحياه وكفله وربَّاه، وانتهى إليهم الخبر من جهةٍ لطيفةٍ فدعوه إلى منزل بعضهم واحتالوا عليه حتى ظفروا بالجدي فجاؤوه به مُنوراً، فأخجلوه، وفضحوه، وقال بعضهم فيه:

ومستظهر مفرط الاحتياط ... بخيل بمذهبه مغتبطْ

دعا مرَّة بعض إخوانه ... على غير عمدٍ ولكن غَلطْ

فجاء بجديٍ كبعض الجداء ... أعظم من جسمِهِ جسمُ قِط

فقال لغلمانهِ نَوِّروه ... على أنه أجردٌ ممتعط

فإن جاء من نتقي أن يجيء ... رأى أَنَّه ذابحٌ قد سُمِط

وإلا أَمِنا على جدينا ... وكان حقيقاً بأن يرتبط

وليس هؤلاء بإفراطهم في الاستظهار القبيح والنظر الدقيق بأَذَمَّ ممَّن يدعى فيجيب، ويوثق منه بالوفاءِ ثم يتثاقل عن الداعي الملهوف حتى يجيعه ويجيع إخوانه وينغص عليهم يومَهم ويبرد طعامهم، ويرد غلامه، ويطيل التشوف إليه، ويوغر بذلك الصدور عليه فجزاء هذا عندي بعد الاستظهار بالحجة، وإعادة الغلام إليه بالرسالة، أن يستأثر إخوانه بالمؤاكلة متعمدين بذلك الاستخفاف به ليؤدبوه بذلك إن كانت به مسكة، وينبهوه إن كانت له فطنة.

وكان بدمشق شاعران يتشاعران فكان أحدهما يكثر [الجلوس] عند الآخر، ولا يدعوه ذلك إلى منزله، فكتب إليه:

أبداً تحصلُ عندي ... ثم لا أحصل عندك

إن تناصفنا وإلاَّ ... بت يا طائيُّ وحدك

فبلغ بعض الأدباء فقال:

أرى الدعوات قد صارت قروضاً ... وأمراً في البرية مستفيضا

وحالي ربما نهضت وحينا ... تضيق فلا أرى فيها نهوضا

وأكره أن أجيب فتىً دعاني ... ولا أدعوه، أن أُلفى بغيضا

وقال العطوي:

قِدران عندي ما للمسك طعمهما ... ونشوةٌ لهما من طبخ بيضاء

<<  <   >  >>