للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجَاء هُوَ فَاخْرُج جُبَّة صوف كَانَت مَعَه فلبسها وَسَرَاويل صوف ومئزر وَجعله على رَأسه وَلزِمَ اسطوانة يمر النَّاس عَلَيْهَا فصلى نَهَاره أجمع وَلَيْلَته أجمع لَا يستريح إِلَّا فِي الْأَوْقَات الْمَحْظُور فِيهَا الصَّلَاة فَإِذا جلس فِيهَا سبح وَلم ينْطق بِلَفْظِهِ فَتنبه على مَكَانَهُ وروعى مُدَّة وَوضعت الْعُيُون عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ لَا يقطع الصَّلَاة وَلَا يَذُوق الطَّعَام فتحير أهل الْبَلَد فِي أمره وَكَانَ لَا يخرج من الْجَامِع إِلَّا فِي وَقت الهاجرة فِي كل يَوْم دفْعَة إِلَى تِلْكَ الميضا فيبول فِيهَا ويعد إِلَى الآجرة وَقد عرفهَا وَعَلَيْهَا ذَاك المعجبون وَقد صَار منحلاً وصرته صُورَة الْغَائِط فَمن يدْخل وَيخرج لَا يشك أَنه غَائِط فيأكله فيقيم أوده وَيرجع فَإِذا كَانَ وَقت صَلَاة الْعَتَمَة أَو فِي اللَّيْل شرب من المَاء قدر كِفَايَته وَأهل حمص يظنون أَنه لَا يطعم الطَّعَام وَلَا يَذُوق المَاء فَعظم شَأْنه عِنْدهم فقصدوه وكلموه فَلم يجبهم وَأَحَاطُوا بِهِ فَلم يلْتَفت واجتهدوا فِي خطابه فَلَزِمَ الصمت فَزَاد مجلة عِنْدهم حَتَّى أَنهم كَانُوا يتمسحون بمكانه وَيَأْخُذُونَ التُّرَاب من مَوْضِعه ويحملون إِلَيْهِ المرضى وَالصبيان فيمسح بِيَدِهِ عَلَيْهِم فَلَمَّا رأى مَنْزِلَته وَقد بلغت إِلَى ذَلِك وَكَانَ قد مضى على هَذَا الصمت سنة اجْتمع مَعَ امْرَأَته فِي الْمِيضَاة وَقَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة حِين يُصَلِّي النَّاس فتعالي فاعلق بِي والطمي وَجْهي وَقَوْلِي يَا عَدو الله يَا فَاسق قتلت ابْني بِبَغْدَاد وهربت إِلَى هَهُنَا تتعبد وعبادتك مَضْرُوب بهَا وَجهك وَلَا تفارقيني واظهري أَنَّك تريدين قَتْلِي بابنك فَإِن النَّاس سيجتمعون إِلَيْك وأمنعهم أَنا من أذيتك واعترف باني قتلته وتبت وَجئْت إِلَى هَهُنَا لِلْعِبَادَةِ وَالتَّوْبَة والندم على مَا كَانَ مني فاطلبي قودي بإقراري وحملي إِلَى السُّلْطَان فيعرضون عَلَيْك الدِّيَة فَلَا تقبليها حَتَّى يبذلوا لَك عشر ديات أَو مَا اسْتَوَى لَك بِحَسب مَا تَرين من زيادتهم وحرصهم فَإِذا تناهت أَعطيتهم فِي افتدائي إِلَى حد يَقع لَك أَنهم لَا يزِيدُونَ بعده شَيْئا فاقبلي الْفِدَاء مِنْهُم واجمعي المَال وخذيه واخرجي

<<  <   >  >>