ومن الناس من يكفر النعم وكفران النعم يكون من أحد رجلين إما رجل لا معرفة له بأسباب النعم والمجازاة عليها لما لم يركب فيه من التفقد لمراعاة العشرة فإذا كان كذلك وجب الإغضاء عنه وترك المناقشة على فعله والرجل الآخر أن يكون ذا عقل لم يشكر النعمة استخفافا بالمنعم واستحقارا للنعمة وتهاونا في نفسه لهما أو لأحدهما فإذا كان كذلك يجب على العاقل ترك العود إلى فعل مثله والخروج باللائمة على نفسه إذا كان له خبرة بِهِ
وأنشدني علي بْن مُحَمَّد ... علامة شكر المرء إعلان حمده ... فمن كتم المعروف منهم فما شكر
إذا مَا صديقي نال خيرا فخانني ... فما الذنب عندي للذي خان أو فجر
ولكن إذا أكرمته بعد كفره ... فإني ملوم حيث أكرم من كفر ...
وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب ... إذا أنا أعطيت القليل شكرتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر
وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم ... وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر ...
قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إني لأستحب للمرء أن يلزم الشكر للصنائع والسعي فيها من غير قضائها إذا كان المنعم من ذوي القدر فيه والاهتمام بالصنائع لأن الاهتمام ربما فاق المعروف وزاد على فعل الإحسان إذ المعروف يعمله المرء لنفسه والإحسان يصطنعه إلى الناس وهو غير مهتم به ولا مشفق عليه وربما أفعله الإنسان وهو مكاره والاهتمام لا يكون إلا من فرط عناية وفضل ود فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكره للمعروف
أنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان ... لأشكرنك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المجلوب مصروف ...