للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الإمام الذهبي في مقدمة كتابه القيم "العلو للعلي الغفار" بعد أن ذكر عددًا من آيات الاستواء والعلو: "فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف؛ فقف مع نصوص القرآن والسنن، ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الآيات، وما حكوه من مذاهب السلف، فإما أن تنطق بعلم، وإما تسكت بحلم"١.

ضرورة بيان مذهب السلف ومواقفهم من أهل البدع:

كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدر القرن الأول على قول واحد وصراط مستقيم إلى أن أطلت الفتن، وبزغت قرون أهل البدع والخلاف؛ فخرجت الخوارج، وتشيعت الشيعة، وتجهمت الجهمية، واعتزلت المعتزلة، واستطار شرر المتكلمين في الأمصار يثير الشبهات.

وكان هؤلاء وأولئك يرون أنهم على حق وأنهم الفرق الناجية، ويستدلون على أقوالهم ومذاهبهم بنصوص من الكتاب والسنة ينزلونها على آرائهم، ويصرفونها عما دلت عليه ظواهرها، كما ألمحنا إلى ذلك فيما سبق، ويدعون انهم متبعون للكتاب والسنة، وربما التبس الأمر على عامة الناس، لما يظهره هؤلاء من الاستدلال بنصوص الشرع على مذاهبهم وأقوالهم.

فلما كان الأمر كذلك احتاج أهل السنة إلى بيان وإظهار مذهب السلف الصالح الذين لا يشك أحد في أنهم أهل السنة وأئمتها المعروفون بها، وبيان ما ذهبوا إليه في فهم هذه النصوص وما فسروها به؛ لأنهم أدق فهمًا، وأصفى ذهنًا، وأصدق تسننًا وتدينًا وأعمق علمًا، وأقل تكلفًا، وأقرب إلى مشكاة النبوة، وشعاع الوحي، ما زال نورهما في قلوبهم مضيئًا يهيديهم إلى القول الحق، والطريق المستقيم، ليقف الناس على أقوالهم ومذاهبهم فيتبين لهم مدى مخالفة أقوال ومذاهب تلك الفرق لأقوال السلف الصالح ومباينتها لها.


١ ص ١٦.

<<  <   >  >>