للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عذاب جهنم وقانا"١.

وقال مخاطبًا أبا عبيدة داعيًا إياه للإيمان بألوهية المسيح الخالق: "وما عقائدتكم كلها إلا حسنة, وكان عندكم عدل كثير في أصل دينكم، وخير شامل؛ فلو آمنتم بالمسيح وقلتم: إنه هو الله خالق السماوات والأرض لكمل إيمانكم"٢.

وهكذا نرى النصارى يصفون المسيح عليه السلام بصفات الربوبية المختصة برب العالمين عز وجل، وهذا أمر انفردوا به من بين العالمين.

ولم يقتصر الأمر على المسيح عليه السلام، بل جعلوا لغيره من الخلق بعض صفات الله تبارك وتعالى. فجعلوا مريم عليها السلام آلهة؛ لأنها أم الله بزعمهم، ووصفوها بالجلوس على العرش مع الله عز وجل، وسألوها ما لا يسأل إلا من الله عز وجل، يقول الإمام ابن القيم: "وأما قولهم في مريم: فإنهم يقولون إنها أم المسيح ابن الله ووالدته في الحقيقة. وأنها على العرش جالسة عن يسار الرب تبارك وتعالى والد ابنها، وابنها عن يمينه. قال: والنصارى يدعونها، ويسألونها سعة الرزق وصحة البدن وطول العمر ومغفرة الذنوب"٣.

وهذه أمور لا يملكها إلا الله عز وجل ولا يسألها إلا هو سبحانه، ولقد أشار القرآن الكريم إلى قول النصارى بألوهية مريم في قوله تبارك وتعالى مخاطبًا عيسى عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ


١ أبو عبيدة الخزرجي، بين المسيحيية والإسلام. "ط. مطبعة المدني القاهرة. نشر: مكتبة وهبة، بتحقيق وتعليق د. محمد شامة"، ص٧٢.
٢ نفس المصدر ص٨٧.
٣ هداية الحيارى ص٢٦١.

<<  <   >  >>