للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضحة على أن هذا الخلق الذميم كان متأصلًا في نفوسهم العليلة، حتى إنهم لا يتحرجون من الاعتراف؛ بل من التباهي به، وكأنهم يسجلون عملًا جليلًا قاموا به، وقد رأينا قبل هذا كيف ادعوا واعتقدوا أنهم قتلوا المسيح بن مريم عليه السلام وقالوا: {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} ١.

ويبدو أن هذا الخلق ظل ملازمًا لهم تجاه أنبياء الله ورسله، ولم يكن ذلك منهم مع أنبيائهم فقط؛ فقد حاولوا قتل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فدسوا له السم صلوات الله عليه بغية قتله وحاول بنو النضير منهم اغتياله بإلقاء الصخرة عليه٢، جريًا على عادتهم في الخبث والكيد لرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما ثبت في "الصحيحيين" من حديث أنس رضي الله عنه: "أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها فجئ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك؟ فقالك أردت لأقتلك. قال: ما كان الله ليسلطك على ذاك، قال: أو قال: "علي" قال: قالوا: ألا تقتلها؟ قال: لا، قال فما زلت أعرفها في لهوات٣ رسول الله صلى الله عليه وسلم"٤.

وتشير بعض الروايات إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو يجد أثر سم اليهود له؛ ففي حديث عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر؛ فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من السم"٥


١ سورة النساء آية ١٥٧.
٢ انظر: ابن هشام، السيرة ٢/ ١٩٠.
٣ اللهوات: جمع لهاة، وهي: اللحمات في سقف أقصى الفم. ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث ٤/ ٢٨٤؛ والمراد: أنه بقي للسمل علامة وأثر من سواد وغيره.
٤ خ: كتاب الهدية، باب قبول الهدية من المشركين ٥/ ٢٣٠، ح ٢٦١٧. م: كتاب السلام، باب باب السم ٤/ ١٧٢١، ح ٤٥ واللفظ له.
٥ خ: المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ٩/ ١٣١، ح ٤٤٢٨.

<<  <   >  >>