للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجهم بن صفوان١ الذي كان من مقالته: "وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده، وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال: تحركت الشجرة ودار الفلك، وزالت الشمس؛ وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله -سبحانه-"٢.

ومن خلال مقالتي الطائفتين، يتبين لنا أن القدرة النفاة مفرطون في هذا الباب، مقصرون فيه بما سلبوا الله قدرته، وقولهم: إن العباد هم الخالقون لأفعالهم.

كما يتضح لنا مدى غلو الجهمية الجبرية في إثبات القدر حتى سلبوا الإنسان مشيئته وإرادته وعدوه بمنزلة الجماد، وأنه لا فعل له في الحقيقة، وأنه مجبور على أفعاله غير مختار فيها. وكلا الفريقين من الإفراط والتفريط على شفا جرف هار، والطريف المستقيم القصد.

فكل منهما قد أخطأ وضل في هذا الباب، وإن كان هذا لا يمنع أن يكون مع كل منهما بعض الحق والصواب؛ لكن الحق المحض والصواب المحض ليس هو في قول واحد منهما؛ وإنما هو قول خارج عن قولهما جمع ما عند كل من الفريقين من حق وصواب، وخلا مما وقع فيه الفريقان من خطأ وضلال.

ذلك هو قول أهل السنة والجماعة في هذا الباب، الذي هو حق بين الباطلين، وهدى بين الضلالتين، به كانوا وسطًا بين إفراط وتفريط الفريقين في هذا الباب، كما سنوضح ذلك في المبحث التالي بعون الله.


١ تقدمت ترجمته ص ٢٩٦.
٢ الأشعري، المقالات ١/ ٣٣٨.

<<  <   >  >>