للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عون١: "أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان، حتى نشأ ها هنا حقير، يقال له: سنسويه البقال، قال فكان أول من تكلم في القدر"٢.

فهؤلاء هم أقطاب القدرية الأوائل، وكان مذهبهم في القدر يدور على أمرين:

أحدهما: نفي علم الله سبحانه بالأشياء قبل وقوعها.

والثاني: نفي خلقه لأفعال العباد، وأنها ليست واقعة بقدره.

وهؤلاء هم غلاة القدرية الأوائل، وقد انقرض مذهبهم، والمتأخرون منهم يثبتون علم الله سبحانه بالأشياء قبل وقوعها وينفن خلقه لأفعال العباد.

قال القرطبي "٦٧١ هـ" وغيره: قد انقرض هذا المذهب -أي: مذهب غلاة القدرية- ولا نعرف أحدًا ينسب إليه من المتأخرين.

قال: والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها؛ وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العابد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال وهو مع كونه مذهبًا باطلًا أخف من الأول"٣.

وهذا المذهب هو الذي تبنته المعتزلة وجعلته أصلًا من أصولها التي قام عليها كيان الاعتزال، وبسبب قولهم به عرفوا بالقدرية، لنفيهم القدر.

وفي مقابل القول بنفي القدر، ظهر قول مضاد ومعاكس له، وهو القول بالجبر، ومضمونه: أن الإنسان مجبور على أفعاله وأنه لا يقدر منها على شيء؛ فهو كالريشة في مهب الريح، وأول من عرف عنه القول بذلك في الإسلام هو:


١ هو: عبد الله بن عون بن أرطبان، أبو عون ت ١٥١ هـ، ترجمته لدى ابن سعد، الطبقات ٧/ ٢٦١، وأبي نعيم، الحلية ٣/ ٣٧.
٢ اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة ٤/ ٧٤٩، ح ١٣٩٦.
٣ ابن حجر: فتح الباري ١/ ١١٩.

<<  <   >  >>