للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن فريقًا ممن تفرقت بهم السبل عن سبيل الله المستقيم، خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما نهاهم عنه؛ فغلوا فيه وقالوا ما ليس لهم به علم، ولا عندهم من الله ورسوله فيه برهان، فضلوا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

وفيما يأتي أذكر صورًا ونماذج من غلو بعض طوائف هذه الأمة في جنابه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:

- دعاء بعضهم إياه صلى الله عليه وسلم، واستغاثتهم به بعد موته، وزعمهم أنه يعطي ويمنع، ويضر وينفع:

كقول شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري "٦٠٨- ٦٦٦ هـ"١.

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تحلى باسم منتقم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم٢

قد تضمنت هذه الأبيات غاية الإطراء والغلو الذي وقعت فيه النصارى وأمثالهم؛ فإنه قصر خصائص الإلهية والربوبية التي قصرها الله على نفسه، وقصرها عليه رسوله صلى الله عليه وسلم -على الرسول صلى الله عليه وسلم- فصرفها لغير الله، فإن الدعاء مخ العبادة، واللياذ من أنواع العبادة.

وقد جمع في أبياته الاستعانة والاستغاثة بغير الله، والالتجاء والرغبة إلى غير الله؛ فإن غاية ما يقع من المستغيث إنما هو الدعاء واللياذ بالقلب واللسان، وهذه هي أنواع العبادة التي ذكرها الله في مواضع كثيرة من كتابه٣.


١ انظر ترجمته لدى: الكتبي، فوات الوفيات ٣/ ٣٦٢، والزركلي، الأعلام ٧/ ١١.
٢ انظر: البردة، ضمن مجموع مهمات المتون ٩٠.
٣ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، بيان المحجة في الرد على اللجة، ضمن مجموع الرسائل والمسائل النجدية، لبعض علماء نجد ص٢٢٧، "ط. الثانية ١٤٠٨ هـ، نشر: مكتبة الشافعي - الرياض".

<<  <   >  >>