للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما الظني من الخبر الصحيح فلال يعتد به الحكم الإسلامي في بناء العقيدة؛ لأنه إنما يفيد الظن، ولقد نهى القرآن -في مجال البحث في العقيدة- عن اتباع الظن"١.

وهكذا نرى الأشاعرة في ماضيهم، وحاضرهم، يقفون من النقل والمسع موقفًا ليس لهم سلف فيه إلا المعتزلة.

فقد جعلوا العقل أصلًا يرجع إليه، وجعلوا ما جاءت به الأنبياء تبعًا له؛ فما وافق عقولهم قبلوه، وما خالفها ردوه، أو تأولوه على مقتضى عقولهم.

فهل هذا الموقف الذي اتخذه الأشاعرة من النقل بصفة عامة، ومن السنة بصفة خاصة، يؤهلهم لأن يكونوا هم أهل السنة؟ كيف وقد عد أهل العلم بالسنة من أهم ما يميز أهل السنة من أهل البدعة تقديم النقل والأثر والاحتكام إليهما؛ كما يقول أبو المظفر السمعاني:

"وأعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو: مسألة العقل؛ فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الإتباع والمأثور تبعًا للمعقول.

وأما أهل السنة قالوا: الأصل في الدين الإتباع، والعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول، لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء"٢.

وعدوا من أهم علامات أهل السنة أنهم عند التنازع يدعون إلى التحاكم إليها دون آراء الرجال وعقولها؛ بينما أهل البدع يدعون إلى التحاكم إلى آراء الرجال ومعقولاتها٣.


١ كبرى اليقينيات ص ٣٥- ٣٦.
٢ الانتصار لأهل الحديث، ضمن صون المنطق للسوطي ص ١٨٢.
٣ ابن القيم، مختصر الصواعق المرسلة ٢/ ٦٢٧.

<<  <   >  >>