للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء -الأشاعرة- يقضي قانونهم الكلي الذي وضعوه، بالرجوع عند الاختلاف إلى العقل كما تقدم. فما جوزه قبل، وما اعتبره مستحيلًا وجب تأويله إن كان قطعي الثبوت، وإن كان ظنيًا اشتغل بتأويله على سبيل التبرع، أورد لعدم حجيته.

وبذلك ردوا، وأولوا كثيرًا من نصوص الشرع، مما أفضى بهم إلى القول بقول الجهمية تارة، كما في مسألة الإيمان مثلًا، والقدر، ويقول المعتزلة تارة في نفي وتأويل بعض الصفات التي جاء بها السمع الصحيح.

ولا نشتغل بذكر ذلك هنا؛ إذ سنبين موضعهم عند الكلام على وسطية أهل السنة بين طرفي الإفراط والتفريط، في كل باب إن شاء الله تعالى.

وإنما اكتفى هنا بالإشارة إلى أن موافقتهم للمعتزلة في قضية العقل والنقل جرتهم غلى موافقتهم في كثير مما خالفوا فيه السلف من أهل السنة والحديث والأثر.

وبعد هذا العرض لموقف الأشاعرة من قضية النقل، وما ترتب عليه من مخالفة السلف، وموافقة أهل البدع.

يتبين لنا أن دعوى الأشاعرة أنهم أهل السنة دعوى عريضة لم يستطيعوا أن يدللوا عليها؛ فهم لم يلتزموا بها برروا به اعتبار أنفسهم أهل السنة والفرقة الناجية وهو زعمهم أنهم هم من بين فرق الأمة الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه١.

وأنهم يقبلون ما صح من سنته صلى الله عليه وسلم٢.

فإنهم وإن قبلوا شيئًا من سنته صلى الله عليه وسلم، لم يقبلوه لكونه سنة يجب التسليم


١ تقدم ص ٥٦، وانظر: البغدادي، الفرق بين الفرق ص٣١٨.
٢ تقدم ص ٥٦، وانظر: البغدادي، الفرق بين الفرق ص٢٦.

<<  <   >  >>