للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً فَقَالَ: "إنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا" وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ، فَاسْتَحَقُّوا مِنْ الثَّوَابِ بِعِلْمِهِمْ لِذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّهُ الْآخَرُونَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَمَا جَرَى الْأَمْرُ فَقَدْ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَلْقِ وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَدُعَاؤُهُ لِلْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ، وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْقَوْمَ كَرِهُوا الْحَلْقَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِهِ، لَيْسَ بِنَافٍ وَجْهَ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَلَى كَوْنِهِ نُسُكًا. فَإِنَّهُ يُقَالُ: قَدْ رَوَى الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَا فِيهِ: فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحِلُّوا وَانْحَرُوا" وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْحَلْقَ. فَنَسْتَعْمِلُ اللَّفْظَيْنِ، فَنَقُولُ: مَا حَلَّ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ حَلَالٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحِلُّوا" وَقَوْلُهُ: "احْلِقُوا" الْمَقْصِدُ بِهِ الْإِحْلَالُ لَا تَعْيِينُهُ بِالْحَلْقِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوا الثَّوَابَ لِإِحْلَالِهِمْ وَائْتِمَارِهِمْ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْحَلْقُ أَفْضَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ لِجَدِّهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ فِي مُتَابَعَةِ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>