للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي وَقْتِ الرَّضَاعِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كَانَ بَيْنَ السَّلَفِ اخْتِلَافٌ فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ، فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى رَضَاعَ الْكَبِيرِ مُوجِبًا لِلتَّحْرِيمِ كَرَضَاعِ الصَّغِيرِ، وَكَانَتْ تَرْوِي فِي ذَلِكَ حَدِيثَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَسَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَة: "أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْك" وَكَانَتْ عَائِشَةُ إذَا أَرَادَتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا رَجُلٌ أَمَرَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ; وَأَبَى سَائِرُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَقُلْنَ: لَعَلَّ هَذِهِ كَانَتْ رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَة مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ عَلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْضِعِيهِ يَذْهَبْ مَا فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ". فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا لِسَالِمٍ كَمَا تَأَوَّلَهُ سَائِرُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا خَصَّ أَبَا زِيَادِ بْنِ دِينَارٍ بِالْجَذَعَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَخْبَرَ أَنَّهَا لَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَهُ. وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يَحْرُمُ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانِكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ". فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الرَّضَاعِ مَقْصُورًا عَلَى حَالِ الصِّغَرِ وَهِيَ الْحَالُ الَّتِي يَسُدُّ اللَّبَنُ فِيهَا جَوْعَتَهُ وَيَكْتَفِي فِي غِذَائِهِ بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَضَاعَ الْكَبِيرِ; وَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ بِامْرَأَتِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَوَضَعَتْ فَتَوَرَّمَ ثَدْيُهَا، فَجَعَلَ يَمُجُّهُ وَيَصُبُّهُ، فَدَخَلَ فِي بَطْنِهِ جَرْعَةٌ مِنْهُ، فَسَأَلَ أَبَا مُوسَى فَقَالَ: "بَانَتْ مِنْك" فَأَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرَهُ فَفَصَلَ، فَأَقْبَلَ بالأعرابي إلى الأشعري فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>