مطلب: فِي الِاحْتِجَاجِ فِي جَوَازِ إعْطَاءِ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جَمِيعَ الطَّعَامِ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ نصف صاع
وقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} عُمُومٌ فِي جَمِيعِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْهُمْ, فَيَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي جَوَازِ إعْطَاءِ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جَمِيعَ الطَّعَامِ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ; لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كُنَّا قَدْ خَصَّصْنَا الْحُكْمَ فِي بَعْضِ مَا انْتَظَمَهُ الِاسْمُ دُونَ بَعْضٍ, لَا سِيَّمَا فِيمَنْ قَدْ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ بِالِاتِّفَاقِ, وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِي.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَمَّا ذَكَرَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ, كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] وقَوْله تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: ٢٣٤] وَسَائِرُ الْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَهَا, كَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ. قِيلَ لَهُ: لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ فِي ذَلِكَ سَدَّ جَوْعَةِ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ حُكْمُ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ بَعْدَ أَنْ يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِمْ الْإِطْعَامُ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْصُلُ بِهِ سَدُّ الْجَوْعَةِ, فَكَانَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِإِعْطَاءِ الْعَشَرَةِ مَوْجُودًا فِي الْوَاحِدِ عِنْدَ تَكْرَارِ الدَّفْعِ وَالْإِطْعَامِ فِي عَدَدِ الْأَيَّامِ. وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ إطْلَاقُ اسْمِ إطْعَامِ الْعَشَرَةِ عَلَى وَاحِدٍ بِتَكْرَارِ الدَّفْعِ; إذْ كَانَ الْمَقْصِدُ فِيهِ تَكْرَارَ الدَّفْعِ لَا تَكْرَارَ الْمَسَاكِينِ, كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: ١٨٩] وَهُوَ هِلَالٌ وَاحِدٌ, فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْجَمْعِ لِتَكْرَارِ الرُّؤْيَةِ فِي الشُّهُورِ. وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ, وَلَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَهُ. وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِرَمْيِ الْجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ, وَلَوْ رَمَى بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَجْزَأَهُ; لِأَنَّ الْمَقْصِدَ فِيهِ حُصُولُ الرَّمْيِ سَبْعَ مَرَّاتٍ, وَالْمَقْصِدَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ حُصُولُ الْمَسَحَاتِ دُونَ عَدَدِ الْأَحْجَارِ. فَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْمَقْصِدُ فِي إخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ سَدُّ جَوْعَةِ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَخْتَلِفْ حكم الواحد إذا تكرر ذلك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute