بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: "يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً" إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ يَقُولَانِ: "يَقُومُ الْإِمَامُ قَائِمًا حَتَّى يُتِمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ, ثُمَّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً أُخْرَى, ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيَقْضُونَ رَكْعَتَيْنِ" وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "إنْ شَاءَ الْإِمَامُ ثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى تُتِمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى لِأَنْفُسِهِمْ, وَإِنْ شَاءَ كَانَ قَائِمًا, وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: "يَقُومُ صَفٌّ خَلْفَهُ وَصَفٌّ مُوَازِي الْعَدُوِّ, فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً, ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى مَقَامِ أُولَئِكَ وَيَجِيءُ هَؤُلَاءِ, فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَيَجْلِسُونَ, فَإِذَا قَامَ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا وَالْإِمَامُ قَائِمٌ; لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُمْ قِرَاءَةٌ, وَجَلَسُوا, ثُمَّ قَامُوا يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ, فَإِذَا جَلَسُوا وَسَلَّمَ الْإِمَامُ ذَهَبُوا إلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ", وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ عَلَيْهِ التَّعْدِيلَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ, فَيُصَلِّي بِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَكْعَةً; وَقَدْ تُرِكَ هَذَا الْمَعْنَى حِينَ جَعَلَ لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ إنَّمَا صَلَّتْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مَعَهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: "إنَّهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ, أَنَّهُ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ" فَلَمْ يَقْسِمْ الصَّلَاةَ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مَعَهُ رَكْعَةً عَلَى حِيَالِهَا; وَمَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ, وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ أَنْ يَقُومَ قَائِمًا حَتَّى تَفْرُغَ الطَّائِفَةُ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ, وَذَلِكَ خِلَافُ الْأُصُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ مِنْ مَذْهَبِ مالك والشافعي; والله أعلم بالصواب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute