[فصل]
قوله تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} يُحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الَّذِي لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ مَا أَكَلَ يَتَصَدَّقُ بِهِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمَ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ بِإِخْرَاجِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ مَالِهِ, فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَقَدْ رَجَعَ مِنْ الْغُرْمِ فِي مِقْدَارِ مَا أَكَلَ مِنْهُ, فَهُوَ غَيْرُ ذَائِقٍ بِذَلِكَ وَبَالَ أَمْرِهِ; لِأَنَّ مَنْ غَرِمَ شَيْئًا وَأَخَذَ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ ذَائِقًا وَبَالَ أَمْرِهِ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: "إنْ شَاءَ الْمُحْرِمُ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ الطَّعَامِ يَوْمًا, وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ بَعْضٍ وَأَطْعَمَ بَعْضًا" فَأَجَازُوا الْجَمْعَ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالطَّعَامِ, وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مَعَ الْإِطْعَامِ فَلَمْ يُجِيزُوا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا, وَفَرَّقُوا أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِأَنْ يَعْتِقَ نِصْفَ عَبْدٍ وَيُطْعِمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ. فَأَمَّا الصَّوْمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّمَا أَجَازُوا الْجَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الصِّيَامَ عَدْلًا لِلطَّعَامِ وَمِثْلًا لَهُ بِقَوْلِهِ: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} , وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ {عَدْلُ ذَلِكَ} يَكُونُ مِثْلًا لَهُ فِي حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ; إذْ لَا تَشَابُهَ بَيْنَ الصِّيَامِ وَبَيْنَ الطَّعَامِ, فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا فِي قِيَامِهِ مَقَامَ الطَّعَامِ وَنِيَابَتِهِ عَنْهُ لِمَنْ صَامَ بَعْضًا, فَكَأَنَّهُ قَدْ أَطْعَمَ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَجَازَ ضَمُّهُ إلَى الطَّعَامِ فَكَانَ الْجَمِيعُ طَعَامًا. وَأَمَّا الصِّيَامُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الطَّعَامِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْهُ, فَغَيْرُ جَائِزٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا; إذْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ, فَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّعَامِ لَمْ يُجْزِهِ الصِّيَامُ, وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِدٍ فَالصَّوْمُ فَرْضُهُ بَدَلًا مِنْهُ, وَغَيْرُ جَائِزٍ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ, كَالْمَسْحِ عَلَى أَحَدِ الخفين وغسل الرجل الأخرى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute