[سورة يونس]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَخَافُونَ عِقَابَنَا; لِأَنَّ الرَّجَاءَ يُقَامُ مَقَامَ الْخَوْفِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:١٣] قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: لَا تَطْمَعُونَ فِي ثَوَابِنَا كَقَوْلِهِمْ: تَابَ رَجَاءً لِثَوَابِ اللَّهِ، وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِغَيْرِهِ وَبَيْنَ تَبْدِيلِهِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِغَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي رَفْعَهُ بَلْ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ مَعَهُ، وَتَبْدِيلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِرَفْعِهِ وَوَضْعِ آخَرَ مَكَانَهُ، أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ. وَكَانَ سُؤَالُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالتَّحَكُّمِ; إذْ لَمْ يَجِدُوا سَبَبًا آخَرَ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ وَتَحَكُّمِهِمْ; لِأَنَّهُمْ غَيْرُ عَالِمِينَ بِالْمَصَالِحِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ، أَوْ يُبَدِّلَهُ بِقَوْلِهِمْ لَقَالُوا فِي الثَّانِي مِثْلَهُ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الثَّالِثِ مِثْلَهُ فِي الثَّانِي فَكَانَ يَصِيرُ دَلَائِلُ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةً لِمَقَاصِد السُّفَهَاءِ، وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُقْنِعُهُمْ ذَلِكَ مَعَ عَجْزِهِمْ فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مِثْلُهُ.
وَرُبَّمَا احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ مَنْ يَأْبَى جَوَازَ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ; لِأَنَّهُ قَالَ: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} وَمُجِيزُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ مُجِيزٌ لِتَبْدِيلِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَلَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنُّوا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْدِيلُ الْقُرْآنِ بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ وَلَا الْإِتْيَانِ بِقُرْآنٍ غَيْرِهِ، وَهَذَا الَّذِي سَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ تَبْدِيلَ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ، وَالْمُسْتَدِلُّ بِمِثْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مُغَفَّلٌ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إلَّا بِسُنَّةٍ هِيَ وَحْيٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [لنجم:٤] فَنَسْخُ حُكْمِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ نَسْخٌ بِوَحْيِ اللَّهِ لَا مِنْ قِبَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute