فَصْلٌ
وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُهَاجِرَةِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ الْحَرْبِيِّ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ، فَأَبَاحَ نِكَاحَهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عِدَّةٍ، وَقَالَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} ، وَالْعِصْمَةُ الْمَنْعُ، فَحَظَرَ الِامْتِنَاعَ مِنْ نِكَاحِهَا; لِأَجْلِ زَوْجِهَا الْحَرْبِيِّ. وَالْكَوَافِرُ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الرِّجَالَ، وَظَاهِرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الرِّجَالُ; لِأَنَّهُ فِي ذِكْرِ الْمُهَاجِرَاتِ. وَأَيْضًا أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطْءَ الْمَسْبِيَّةِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ، وَالِاسْتِبْرَاءُ لَيْسَ بِعِدَّةٍ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ" وَالْمَعْنَى فِيهَا وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} ; قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: يَعْنِي رَدَّ الصَّدَاقِ، وَاسْأَلُوا أَهْلَ الْحَرْبِ مَهْرَ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا صَارَتْ إلَيْهِمْ، وَلْيَسْأَلُوا هُمْ أَيْضًا مَهْرَ مَنْ صَارَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً مِنْهُمْ"; وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: "فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَأَقَرُّوا بِحُكْمِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} فَأُمِرَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَرُدُّوا الصَّدَاقَ إذَا ذَهَبَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ صَدَاقَ امْرَأَتِهِ إنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا يَرُدُّونَ، وَأَنْ يَرُدُّوا إلَى الْمُشْرِكِينَ". وَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تعالى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} : "مِنْ الْغَنِيمَةِ أَنْ يُعَوَّضَ مِنْهَا". وَرَوَى زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: "كَانَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِمَّنْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} خَرَجَتْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ" وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} قال: "ليس بينكم وبينهم عهد" {فَعَاقَبْتُمْ} "وَأَصَبْتُمْ غَنِيمَةً" {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} قال: "عوضوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute