للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ الرِّشْوَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} قِيلَ إنَّ أَصْلَ السُّحْتِ الِاسْتِئْصَالُ, يُقَالُ: أَسْحَتَهُ إسْحَاتًا: إذَا اسْتَأْصَلَهُ وَأَذْهَبَهُ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل: {فَيُسْحِتَكُمْ} [طه: ٦١] أَيْ يَسْتَأْصِلُكُمْ بِهِ. وَيُقَالُ: أَسْحَتَ مَالَهُ, إذَا أَفْسَدَهُ وَأَذْهَبَهُ. فَسُمِّيَ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ لَا بَرَكَةَ فِيهِ لِأَهْلِهِ وَيَهْلِكُ بِهِ صَاحِبُهُ هَلَاكَ الِاسْتِئْصَالِ. وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ السُّحْتِ أَهُوَ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ؟ فَقَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وَلَكِنَّ السُّحْتَ أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِك عَلَى إمَامٍ فَتُكَلِّمَهُ فَيُهْدِيَ لَك هَدِيَّةً فَتَقْبَلَهَا. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ عَنْ الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ, فَقَالَ: "ذَلِكَ كُفْرٌ "; وَسَأَلْته عَنْ السُّحْتِ, فَقَالَ: "الرُّشَا". وَرَوَى عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ مُسْلِمٍ, أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ: قُلْت لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْت الرِّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ مِنْ السُّحْتِ؟ قَالَ: "لَا, وَلَكِنْ كُفْرٌ, إنَّمَا السُّحْتُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَاهٌ وَمَنْزِلَةٌ وَيَكُونَ لِلْآخَرِ إلَى السُّلْطَانِ حَاجَةٌ, فَلَا يَقْضِيَ حَاجَتَهُ حَتَّى يُهْدِيَ إلَيْهِ". وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَعَسْبُ الْفَحْلِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَثَمَنُ الْخَمْرِ وَثَمَنُ الْمَيْتَةِ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَالِاسْتِجْعَالِ فِي الْقَضِيَّةِ". فَكَأَنَّهُ جَعَلَ السُّحْتَ اسْمًا لِأَخْذِ مَا لَا يَطِيبُ أَخْذُهُ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: "السُّحْتُ الرُّشَا". وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "إنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخَذَ الْهَدِيَّةَ فَقَدْ أَكَلَ السُّحْتَ, وَإِذَا أَكَلَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ". وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: "بَابَانِ مِنْ السُّحْتِ يَأْكُلُهُمَا النَّاسُ: الرُّشَا وَمَهْرُ الزَّانِيَةِ". وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَدَايَا الْأُمَرَاءِ مِنْ السُّحْتِ". وَرَوَى أَبُو إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا". وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ". وَرَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أبي سلمة عن أبي

<<  <  ج: ص:  >  >>