مَطْلَبٌ: فِي مَعَانِي الْيَدِ
وَالْيَدُ فِي اللُّغَةِ تَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا الْجَارِحَةُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ. وَمِنْهَا النِّعْمَةُ, تَقُولُ: لِفُلَانٍ عِنْدِي يَدٌ أَشْكُرُهُ عَلَيْهَا, أَيْ نِعْمَةٌ وَمِنْهَا الْقُوَّةُ. فَقَوْلُهُ أُولِي الْأَيْدِي فَسَّرُوهُ بِأُولِي الْقُوَى; وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَحَمَّلْت مِنْ ذَلْفَاءَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ ... وَلَا لِلْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ يَدَانِ
وَمِنْهَا الْمِلْكُ, وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] يَعْنِي يَمْلِكُهَا. وَمِنْهَا الِاخْتِصَاصُ بِالْفِعْلِ, كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] أَيْ تَوَلَّيْت خَلْقَهُ. وَمِنْهَا التَّصَرُّفُ, كَقَوْلِك: "هَذِهِ الدَّارُ فِي يَدِ فُلَانٍ" يَعْنِي التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالسُّكْنَى أَوْ الْإِسْكَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنه قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ} عَلَى وَجْهِ التَّثْنِيَةِ; لِأَنَّهُ أَرَادَ نِعْمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا نِعْمَةُ الدُّنْيَا, وَالْأُخْرَى نِعْمَةُ الدِّينِ. وَالثَّانِي: قُوَّتَاهُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ, عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْيَهُودِ, لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عِقَابِنَا. وَقِيلَ: إنَّ التَّثْنِيَةَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي صِفَةِ النِّعْمَةِ, كَقَوْلِك: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ". وقيل في قوله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} يَعْنِي فِي جَهَنَّمَ; رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ.
قَوْله تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} فِيهِ إخْبَارٌ بِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} , وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ الْغَيْبِ مَعَ كَثْرَةِ الْيَهُودِ وَشِدَّةِ شَوْكَتِهِمْ; وَقَدْ كان من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute