للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: سئل علي عن وطء أختين بملك اليمين فقال: "أحلتهما آية وحرمهما آية" إلى آخره]

وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا أَبَاحَا ذَلِكَ وَقَالَا: "أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ" وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالزُّبَيْرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَمَّارٌ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: "لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ", وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ" فَإِذَا أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَالْحَرَامُ أَوْلَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ الْغَافِقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي إيَاسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلْت عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَدْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا هَلْ يَطَأُ الْأُخْرَى؟ فَقَالَ: "أَعْتِقْ الْمَوْطُوءَةَ حَتَّى يَطَأَ الْأُخْرَى" وَقَالَ: "مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ الْحَرَائِرِ شَيْئًا إلَّا حَرَّمَ مِنْ الْإِمَاءِ مِثْلَهُ إلَّا عَدَدَ الْأَرْبَعِ" وَرُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ, يَعْنُونَ بِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَقَوْلُهُ: "حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ" قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} , فَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ الْإِبَاحَةُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ وَقَالَ: "لَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ". وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ نَاظِرًا فِيهِ غَيْرَ قَاطِعٍ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فِيهِ, فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَالَ فِيهِ بِالْإِبَاحَةِ ثُمَّ وَقَفَ فِيهِ, وَقَطَعَ عَلِيٌّ فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْحَظْرَ وَالْإِبَاحَةَ إذَا اجْتَمَعَا فَالْحَظْرُ أَوْلَى إذَا تَسَاوَى سَبَبَاهُمَا, وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا فِي الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ, وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ رَوَى إيَاسُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّك تَقُولُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ؟ فَقَالَ: "كَذَبُوا" وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ فِي مُقْتَضَى الْآيَتَيْنِ وَإِبْطَالَ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِالْوَقْفِ فِيهِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ; لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ: "أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ" وَالتَّحْرِيمُ أَوْلَى, وَإِنْكَارُهُ أَنْ يَكُونَ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ إنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ أَنَّ آيَتَيْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي مُقْتَضَاهُمَا, وَأَنَّ التَّحْرِيمَ أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ هُوَ قَوْلٌ مُنْكَرٌ لِاقْتِضَاءِ حَقِيقَتِهِ أَنْ يَكُونَ شيء واحد مباحا محظورا في حال

<<  <  ج: ص:  >  >>