بَابُ دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْيَتِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: "يَعْنِي اخْتَبِرُوهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَدِينِهِمْ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَرَنَا بِاخْتِبَارِهِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ; لِأَنَّهُ قَالَ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} فَأَخْبَرَ أَنَّ بُلُوغَ النِّكَاحِ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ; لِأَنَّ" حَتَّى غَايَةٌ مَذْكُورَةٌ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ, فَدَلَّتْ الْآيَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذَا الِابْتِلَاءَ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِذْنِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ فِي التِّجَارَةِ; لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ فِي الْعِلْمِ بِالتَّصَرُّفِ وَحِفْظِ الْمَالِ وَمَتَى أُمِرَ بِذَلِكَ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إذْنِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ, فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: جَائِزٌ لِلْأَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الشِّرَى وَالْبَيْعَ, وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيُّ أَبٍ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ". وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: "لَا أَرَى إذْنَ الْأَبِ, وَالْوَصِيَّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ جَائِزًا, وَإِنْ لَحِقَهُ فِي ذَلِكَ دَيْنٌ لَمْ يَلْزَمْ الصَّبِيَّ مِنْهُ شَيْءٌ". وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ فِي الْإِقْرَارِ: وَمَا أَقَرَّ بِهِ الصَّبِيُّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْآدَمِيِّ أَوْ حَقٍّ فِي مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَلِيُّهُ مَنْ كَانَ أَوْ حَاكِمٌ, وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ, فَإِنْ فَعَلَ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عَنْهُ, وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَفْسُوخٌ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِقَوْلِهِ تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} وَالِابْتِلَاءُ هُوَ اخْتِبَارُهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ وَحَزْمِهِمْ فيما يتصرفون فيه, فهو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute