للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} يَنْتَظِمُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ إذَا قَتَلُوا فِي إيجَابِ جَزَاءٍ تَامٍّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ; لِأَنَّ "مَنْ" يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِيَالِهِ فِي إيجَابِ جَمِيعِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ; وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] قَدْ اقْتَضَى إيجَابَ الرَّقَبَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ إذَا قَتَلُوا نَفْسًا وَاحِدَةً; وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} [الفرقان: ١٩] وَعِيدٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِيَالِهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} [النساء: ٩٣] وَعِيدٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ; وَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يَتَدَافَعُونَهُ, وَإِنَّمَا يَجْهَلُهُ مَنْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهَا.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلَوْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ, وَالدِّيَةُ إنَّمَا دَخَلَتْ فِي اللَّفْظِ حَسَبَ دُخُولِ الرَّقَبَةِ. قِيلَ لَهُ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَعُمُومِهِ إيجَابُ دِيَاتٍ بِعَدَدِ الْقَاتِلِينَ, وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ, وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ يَقْتَضِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ قَتَلَاهُ عَمْدًا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ قَاتِلِ لَهُ عَلَى حِيَالِهِ وَيُقْتَلَانِ جَمِيعًا بِهِ؟ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ لَا يَرِثُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَتَلَ بَعْضَهُ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ مِمَّا قَتَلَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ؟ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا لَا يَرِثَانِ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ قَاتِلٌ لَهُ وَحْدَهُ, كَذَلِكَ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ; إذْ كَانَتْ النَّفْسُ لَا تَتَبَعَّضُ, وَكَذَلِكَ قَاتِلُو الصَّيْدَ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ مُتْلِفٌ لِلصَّيْدِ عَلَى حِيَالِهِ; فَتَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ تَامَّةٌ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى ذَلِكَ كَفَّارَةً بِقَوْلِهِ: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} وَجَعَلَ فِيهَا صَوْمًا, فَأَشْبَهَتْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا هُوَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا, وَأَنْتَ تَقُولُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ جَزَاءَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>