[ومن سورة حم عسق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى بُطْلَانِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى مَا سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ; لِإِخْبَارِهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَيَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِرْبَةً، فَلَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْجَوَازِ.
وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: "مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي مِنْكُمْ" قَالُوا: "كُلُّ قُرَيْشٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَابَةٌ". وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "إلَّا أَنْ تَوَدُّوا قَرَابَتِي". وَقَالَ الْحَسَنُ: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أَيْ إلَّا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ وَالتَّوَدُّدَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} يَدُلُّ عَلَى جَلَالَةِ مَوْقِعِ الْمَشُورَةِ لِذِكْرِهِ لَهَا مَعَ الْإِيمَانِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّا مَأْمُورُونَ بِهَا.
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي مَعْنَى الْآيَةِ قَالَ: "كَانُوا يَكْرَهُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُذِلُّوا أَنْفُسَهُمْ فَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِمْ الْفُسَّاقُ". وَقَالَ السُّدِّيّ {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} مَعْنَاهُ: مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ نَدَبَنَا اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ إلَى الْعَفْوِ عَنْ حُقُوقِنَا قِبَلَ النَّاسِ، فَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: ٢٣٧] وقَوْله تَعَالَى فِي شَأْنِ الْقِصَاصِ: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] وَقَوْلُهُ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: ٢٢] . وَأَحْكَامُ هَذِهِ الْآيِ ثَابِتَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّ الِانْتِصَارَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَفْضَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهُ إلَى ذِكْرِ الِاسْتِجَابَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ؟ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute