للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: في النكاح يطلق على الوطء حقيقة وعلى العقد مجازا]

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذًا كَانَ اسْمُ النِّكَاحِ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ مَوْضُوعًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ, ثُمَّ وَجَدْنَاهُمْ قَدْ سَمَّوْا الْوَطْءَ نَفْسَهُ نِكَاحًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:

وَمَنْكُوحَةٌ غَيْرُ مَمْهُورَةٍ ... وَأُخْرَى يُقَالُ لَهُ فَادِهَا

يَعْنِي الْمَسْبِيَّةَ الْمَوْطُوءَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَلَا عَقْدٍ, وَقَالَ الْآخَرُ:

وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا ... وَأُخْرَى عَلَى عَمٍّ وَخَالٍ تَلْهَفُ

وَهَذَا يَعْنِي الْمَسْبِيَّةَ أَيْضًا; وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ أَيْضًا:

فَنَكَحْنَ١ أَبْكَارًا وَهُنَّ بِأُمَّةٍ ... أَعْجَلْنَهُنَّ مَظِنَّةَ الْإِعْذَارِ

وَهُوَ يَعْنِي الْوَطْءَ أَيْضًا; وَلَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ النِّكَاحِ عَلَى الْوَطْءِ. وَقَدْ تَنَاوَلَ الِاسْمُ الْعَقْدَ أَيْضًا, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩] وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ دُونَ الْوَطْءِ, وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا مِنْ نِكَاحٍ وَلَسْت مِنْ سِفَاحٍ" ; فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ, وَالثَّانِي: دَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ, لَوْلَا ذَلِكَ لَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ: أَنَا مِنْ نِكَاحٍ, إذْ كَانَ السِّفَاحُ لَا يَتَنَاوَلُ اسْمَ النِّكَاحِ بِحَالٍ, فَدَلَّ قَوْلُهُ: "ولست من سفاح" بعد


١ قوله: "فنكحن" إلى آخر البيت للنابغة الذبياني ومعنى المة بالكسر النعمة. وقوله: "العذار" وهو الخنان والمني نكحن وهي ماسوران لم يختن بعد كما في شرح البطليوس. "لمصححه".

<<  <  ج: ص:  >  >>