للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب كَيْفَ يُحَيِّي أَهْلَ الْكِتَابِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} . رَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ; إذْ أَتَى عَلَيْهِمْ يَهُودِيٌّ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ"؟ قَالُوا سَلَّمَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: "قَالَ سَامٌ عَلَيْكُمْ أَيْ تَسْأَمُونَ دِينَكُمْ". وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُولُوا عَلَيْك أَيْ عَلَيْك مَا قُلْتَ". وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا لَقِيتُمْ الْمُشْرِكِينَ فِي الطَّرِيقِ فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ السَّامُ أَنَّكُمْ تَسْأَمُونَ دِينَكُمْ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الْمَوْتَ; لِأَنَّ السَّامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَوْتِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: "نَرَى أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْمُشْرِكِ السَّلَامَ وَلَا نَرَى أَنْ نَبْدَأَ". وَقَالَ مُحَمَّدٌ: "وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا" وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْن مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: صَحِبْنَا عَبْدَ اللَّهِ فِي سَفَرٍ وَمَعَنَا أُنَاسٌ مِنْ الدَّهَاقِينِ، قَالَ: فَأَخَذُوا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلَيْسَ هَذَا تَكْرَهُ؟ قَالَ: إنَّهُ حَقُّ الصُّحْبَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ; لِأَنَّ الرَّدَّ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَحَدٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّمَا كَرِهَ الِابْتِدَاءَ; لِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ تَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِكَرِهِ أَنْ نَبْدَأَ بِهِ الْكَافِرَ; إذْ لَيْسَ مِنْ أَهْلهَا، وَلَا يُكْرَهُ الرَّدُّ عَلَى وَجْهِ الْمُكَافَأَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ قَالَ: قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ: أَخْتَلِفُ إلَى طَبِيبٍ نَصْرَانِيٍّ أُسَلِّمُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَتْ لَك إلَيْهِ حَاجَةٌ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ.

وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا} قَالَ قَتَادَةُ: "كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُمْ تَفَسَّحُوا" وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "هُوَ مَجْلِسُ الْقِتَالِ". قَالَ قتادة: {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} قَالَ: "إذَا دُعِيتُمْ إلَى خَيْرٍ" وَقِيلَ: اُنْشُزُوا أَيْ ارْتَفِعُوا فِي الْمَجْلِسِ; وَلِهَذَا ذَكَرَ أَهْلُ العلم; لأنهم أحق بالرفعة، وهذا يدل

<<  <  ج: ص:  >  >>