للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: في قوله عليه السلام: "المتبايعان بالخيار"]

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا", وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: "الْبَائِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا", فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ تَقْتَضِي حَالَ التَّبَايُعِ وَهِيَ حَالُ السَّوْمِ, فَإِذَا أَبْرَمَا الْبَيْعَ وَتَرَاضَيَا فَقَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ, فَلَيْسَا مُتَبَايِعَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالِ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا أَنَّ الْمُتَضَارِبَيْنِ وَالْمُتَقَايِلِينَ إنَّمَا يَلْحَقُهُمَا هَذَا الِاسْمُ فِي حَالِ التَّضَارُبِ وَالتَّقَايُلِ, وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْفِعْلِ لَا يُسَمَّيَانِ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يُقَالُ كَانَا مُتَقَايِلَيْنِ وَمُتَضَارِبَيْنِ; وَإِذَا كَانَتْ حَقِيقَةُ مَعْنَى اللَّفْظِ مَا وَصَفْنَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّأْوِيلُ يُودِي إلَى إسْقَاطِ فَائِدَةِ الْخَبَرِ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُشْكِلٍ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ قَبْلَ وُجُودِ التَّرَاضِي بِالْعَقْدِ هُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا فِي إيقَاعِ الْعَقْدِ أَوْ تَرْكِهِ. قِيلَ لَهُ: بَلْ فِيهِ أَعْظَمُ الْفَوَائِدِ, وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَالَ لِلْمُشْتَرِي "قَدْ بِعْتُك" أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي, كَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى وَلَا لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ; فَأَبَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ الْبَيْعِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الرُّجُوعِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ مُفَارِقٌ لِلْعِتْقِ وَالْخُلْعِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الْمُتَسَاوِمَانِ مُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ وُقُوعِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا؟ قِيلَ لَهُ: جَائِزٌ إذَا قَصَدَا إلَى الْبَيْعِ بِإِظْهَارِ السَّوْمِ فِيهِ كَمَا نُسَمِّي الْقَاصِدَيْنِ إلَى الْقَتْلِ مُتَقَاتِلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمَا قَتْلٌ بَعْدُ, وَكَمَا قِيلَ لِوَلَدِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السلام المأمور بذبحه: الذبيح

<<  <  ج: ص:  >  >>