بَابُ الْحَجِّ مَاشِيًا
رَوَى مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ إلَّا أَنِّي وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ حَجَجْتُ مَاشِيًا; لِأَنَّ اللَّهَ تعالى يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالاً} وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: "أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حَجَّا مَاشِيَيْنِ". وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ الْعُرَنِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الرُّصَافِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي فِي شَيْبَتِي إلَّا أَنْ لَمْ أَحُجَّ رَاجِلًا، وَلَقَدْ حَجَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِيًا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَإِنَّ النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ، وَلَقَدْ قَاسَمَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إنَّهُ لَيُعْطِي النَّعْلَ وَيُمْسِكُ النَّعْلَ وَيُعْطِي الْخُفَّ وَيُمْسِكُ الْخُفَّ". وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ زِرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "كَانُوا يَحُجُّونَ وَلَا يَرْكَبُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} . وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: "كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وَتُقَادُ دَوَابُّهُ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْله تَعَالَى: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْحَجِّ مَاشِيًا وَرَاكِبًا وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا، وَمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ السَّلَفِ فِي اخْتِيَارِهِمْ الْحَجَّ مَاشِيًا وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا أَفْضَلُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ أُمَّ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ قُرْبَةٌ قَدْ لَزِمَتْ بِالنَّذْرِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا هَدْيًا عِنْدَ تَرْكِهَا الْمَشْيَ.
قَوْله تَعَالَى: {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} رَوَى جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} قَالَ: "بَلَدٌ بَعِيدٌ". وَقَالَ قَتَادَةُ: "مَكَانٌ بَعِيدٌ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْفَجُّ الطَّرِيقُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مِنْ طَرِيقٍ بَعِيدٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: "الْعُمْقُ الذَّاهِبُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْعُمْقُ الذَّاهِبُ فِي الْأَرْضِ". قَالَ رُؤْبَةُ:
وَقَاتِمِ الْأَعْمَاقِ خَاوِي المخترق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute