للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

وَيَحْتَجُّ مَنْ يُوجِبُ عَلَى مَنْ عَقَدَ نَذْرَهُ بِشَرْطِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ دُونَ الْمَنْذُورِ, مِثْلُ قَوْلِهِ: "إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ" أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ, فَحَنِثَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} قَالَ: فَلَمَّا كَانَ هَذَا حَالِفًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ دُونَ الْمَنْذُورِ بِعَيْنِهِ. وَلَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ; وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ الْوَفَاءَ بِالْمَنْذُورِ بِعَيْنِهِ وَلَهُ أَصْلٌ غَيْرُ الْيَمِينِ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١] , وَقَالَ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: ٧] , وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] , وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة:٧٦] , فَذَمَّهُمْ تَعَالَى عَلَى تَرْكِ الْوَفَاءِ بِنَفْسِ الْمَنْذُورِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ" وَكَانَ قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَكَانَتْ النُّذُورُ مَحْمُولَةً عَلَى الْأُصُولِ الْأُخَرِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهَا.

قَوْله تَعَالَى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} فَقَالَ قَائِلُونَ: مَعْنَاهُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ الْحِنْثِ فِيهَا وَاحْذَرُوا الْحِنْثَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحِنْثُ مَعْصِيَةً. وَقَالَ آخَرُونَ: أَقَلُّوا مِنْ الْأَيْمَانِ, عَلَى نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] , وَاسْتَشْهَدَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... إذَا بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ

وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ رَاعُوهَا لِكَيْ تُؤَدُّوا الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ فِيهَا لأن حفظ الشيء

<<  <  ج: ص:  >  >>