[مطلب: في بيان معنى التقية وحكمها]
وقَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} يَعْنِي أَنْ تَخَافُوا تَلَفَ النَّفْسِ وَبَعْضِ الْأَعْضَاءِ فَتَتَّقُوهُمْ بِإِظْهَارِ الْمُوَالَاةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ لَهَا. وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن محمد بن إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَتَّخِذَ كَافِرًا وَلِيًّا فِي دِينِهِ. وقَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} : إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ فَيَصِلَهُ لِذَلِكَ; فَجَعَلَ التَّقِيَّةَ صِلَةً لِقَرَابَةِ الْكَافِرِ. وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ جَوَازَ إظْهَارِ الْكُفْرِ عِنْدَ التَّقِيَّةِ, وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] وَإِعْطَاءُ التَّقِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ, بَلْ تَرْكُ التَّقِيَّةِ أَفْضَلُ, قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ: إنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَظْهَرَ. وَقَدْ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ خُبَيْبَ بْنَ عُدَيٍّ, فَلَمْ يُعْطِ التَّقِيَّةَ حَتَّى قُتِلَ, فَكَانَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ مِنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ أَعْطَى التَّقِيَّةَ, وأظهر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute