فَصْلٌ
قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ عَطْفِ الْوَاجِبِ عَلَى النَّدْبِ; لِأَنَّ النِّكَاحَ نَدْبٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ, وَإِيتَاءُ الْمَهْرِ وَاجِبٌ; وَنَحْوُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] ثُمَّ قَالَ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤] وَيَصِحُّ عَطْفُ النَّدْبِ عَلَى الْوَاجِبِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: ٩٠] فَالْعَدْلُ وَاجِبٌ وَالْإِحْسَانُ نَدْبٌ.
قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: هُوَ الزِّنَا. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الضَّرَرُ الشَّدِيدُ فِي دِينٍ أَوَدُنْيَا, مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: ١١٨] . وَقَوْلِهِ: {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} , وَهَذَا شَرْطٌ إلَى الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ مِنْ تَرْكِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى تَزَوُّجِ الْحُرَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ وَلَدُهُ عَبْدًا لَغَيْرِهِ, فَإِذَا خَشِيَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَأْمَنْ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ فَهُوَ مُبَاحٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ لَا فِي الْفِعْلِ وَلَا فِي التَّرْكِ. ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فَأَبَانَ عَنْ مَوْضِعِ النَّدْبِ, وَالِاخْتِيَارُ هُوَ تَرْكُ نِكَاحِ الْأَمَةِ رَأْسًا; فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْآيَةِ مُقْتَضِيَةً لِكَرَاهِيَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ, وَمَتَى خَشِيَ الْعَنَتَ فَالنِّكَاحُ مُبَاحٌ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ. وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَتْرُكَهُ رَأْسًا وَإِنْ خَشِيَ الْعَنَتَ, لِقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} . وَإِنَّمَا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى تَرْكِ نِكَاحِ الْأَمَةِ رَأْسًا مَعَ خَوْفِ الْعَنَتِ لِأَنَّ الْوَلَدَ المولود على فراش النكاح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute