[مطلب في تفسير الرشد]
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "فَإِنْ عَلِمْتُمْ مِنْهُمْ ذَلِكَ". وَقِيلَ: إنَّ أَصْلَ الْإِينَاسِ هُوَ الْإِحْسَاسُ, حُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} [طه: ١٠] يَعْنِي أَحْسَسْتهَا وَأَبْصَرْتهَا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الرُّشْدِ هَهُنَا, فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: "الصَّلَاحُ فِي الْعَقْلِ" وَحِفْظِ الْمَالِ". وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: "الصَّلَاحُ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ". وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ: "الْعَقْلُ". وَرَوَى سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} قَالَ: "إذَا أَدْرَكَ بِحُلُمٍ وَعَقْلٍ وَوَقَارٍ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا كَانَ اسْمُ الرُّشْدِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْلِ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ, وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ رُشْدًا مَنْكُورًا وَلَمْ يَشْرُطْ سَائِرَ ضُرُوبِ الرُّشْدِ, اقْتَضَى ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُ بِوُجُودِ الْعَقْلِ مُوجِبًا لِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ وَمَانِعًا مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ; فَهَذَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي إبْطَالِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ, وَهُوَ مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي حَنِيفَةَ; وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي سُورَةِ البقرة.
وقوله تعالى: {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} يَقْتَضِي وُجُوبَ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا, وَهُوَ نَظِيرُ قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا أَيْضًا, وَتَقْدِيرُهُ: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ إذَا بَلَغُوا وَآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute