بَابُ ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: فَقَالَ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ: مِنْ دُونِ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ: أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ دُونَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ هُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَنَافِعٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ، وَمَا كَانَ وَرَاءَهُ فَعَلَيْهِمْ الْمُتْعَةُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا كَانَ أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ فَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَمَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَدُخُولُهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَكَانَ تَصَرُّفُهُمْ فِي الْمِيقَاتِ فَمَا دُونَهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِمْ فِي مَكَّةَ؟ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي حُكْمِ الْمُتْعَةِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَرَمَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ أَهْلُهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: ٧] وَلَيْسَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْهُمْ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا حِينَ فُتِحَتْ، فَإِنَّمَا نَزَلَتْ الْآيَةُ بَعْدَ الْفَتْحِ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَهُمْ بَنُو مُدْلِجٍ وَبَنُو الدِّئْلِ، وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ خَارِجَ مَكَّةَ فِي الْحَرَمِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ من حاضري المسجد الحرام وبينهم وبينها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute