للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَطْلَبٌ: فِي أَنَّ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِبُ اطِّرَادُهَا وَلَا يَجِبُ انْعِكَاسُهَا

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيُّ إلْزَامٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ; لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ عَكْسَ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَمْدُهُ خَطَأً أَنْ لَا يُفِيدَ الْمُشَارِكُ لَهُ فِي الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا، فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ عَمْدُهُ خَطَأً فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ بَلْ حُكْمُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى دَلِيلِهِ; لِأَنَّهُ عَكْسُ الْعِلَّةِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ اعْتَلَّ بِعَلَّةٍ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَعْكِسَهَا، وَيُوجِبَ مِنْ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهَا ضِدَّ مُوجِبِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّا إذَا قُلْنَا: وُجُودُ الْغَرَرِ يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِجَوَازِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَرَرِ؟ بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَمْنَعَ الْجَوَازَ عِنْدَ عَدَمِ الْغَرَرِ لِوُجُودِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَمْ يَقْبِضْهُ بَائِعُهُ، أَوْ شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، أَوْ يَكُونَ مَجْهُولَ الثَّمَنِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُفْسِدَةِ لِعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ عِنْدَ زَوَالِ الْغَرَرِ عَلَى حَسَبِ قِيَامِ دَلَالَة الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي مَسَائِلِ الْعَقْدِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى ارتياض بنظر الفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>