[مطلب: متى ورد خبران في جظر شيء وفي إباحته فالحاظر أولى]
فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} أَنْ يَحْبِسَهُ عَلَيْنَا بَعْدَ قَتْلِهِ لَهُ, فَهَذَا هُوَ إمْسَاكُهُ عَلَيْنَا. فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ; لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَحْبُوسًا بِالْقَتْلِ فَلَا يَحْتَاجُ الْكَلْبُ إلَى أَنْ يَحْبِسَهُ عَلَيْنَا بَعْدَ قَتْلِهِ, فَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَتْلُهُ هُوَ حَبْسُهُ عَلَيْنَا. قِيلَ لَهُ: هَذَا أَيْضًا لَا مَعْنَى لَهُ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا: فَكُلُوا مِمَّا قَتَلْنَ عَلَيْكُمْ; وَهَذَا يُسْقِطُ فَائِدَةَ الْآيَةِ; لِأَنَّ إبَاحَةَ مَا قَتَلَتْهُ قَدْ تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} , وَهُوَ يَعْنِي صَيْدَ مَا عَلَّمْنَا مِنْ الْجَوَارِحِ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ الْمُبَاحِ مِنْهُ. وَعَلَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ لَيْسَ بِعِبَارَةٍ عَنْ الْقَتْلِ; لِأَنَّهُ قَدْ يُمْسِكُهُ عَلَيْنَا وَهُوَ حَيٌّ غَيْرُ مَقْتُولٍ, فَلَيْسَ إمْسَاكُهُ عَلَيْنَا إذًا إلَّا أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ. وَلَا يَخْلُو الْإِمْسَاكُ عَلَيْنَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حَبْسُهُ إيَّاهُ عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ, أَوْ حَبْسُهُ عَلَيْنَا بَعْدَ قَتْلِهِ, أَوْ تَرَكَهُ لِلْأَكْلِ مِنْهُ بَعْدَ قَتْلِهِ; وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَبْسَهُ عَلَيْنَا وَهُوَ حَيٌّ غَيْرُ مَقْتُولٍ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ, وَأَنَّ حَبْسَهُ عَلَيْنَا حَيًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَهُ, وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَبْسَهُ عَلَيْنَا بَعْدَ قَتْلِهِ, وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ إمْسَاكَهُ عَلَيْنَا شَرْطًا فِي الْإِبَاحَةِ, وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ وَانْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْبِسْهُ عَلَيْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهُ; فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ, فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ تَرْكُهُ الْأَكْلَ.
فَإِنْ قِيلَ: قوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} يَقْتَضِي إبَاحَةَ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّيْدِ بَعْدَ أَكْلِهِ; لِأَنَّهُ قَدْ أَمْسَكَهُ عَلَيْنَا إذَا لَمْ يَأْكُلْهُ, وَإِنَّمَا لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْنَا الْمَأْكُولَ مِنْهُ دون ما بقي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute