للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب: في الاستعانة بالمشركين]

قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً} فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِنْصَارِ بِالْمُشْرِكِينَ; لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ هُمْ الْأَنْصَارُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى أُحُدٍ جَاءَ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ وَقَالُوا: نَحْنُ نَخْرُجُ مَعَك, فَقَالَ: "إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ" , وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يُقَاتِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ. وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ نَاسًا مِنْ الْيَهُودِ غَزَوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَ لَهُمْ كَمَا قَسَمَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن نِيَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ يَحْيَى: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَاتِلَ مَعَهُ فَقَالَ: ارْجِعْ ثُمَّ اتَّفَقَا فَقَالَ: "إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ".

وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانُوا مَتَى ظَهَرُوا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ, فَأَمَّا إذَا كَانُوا لَوْ ظَهَرُوا كَانَ حُكْمُ الشِّرْكِ هُوَ الْغَالِبُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ. وَمُسْتَفِيضٌ فِي أَخْبَارِ أَهْلِ السِّيَرِ وَنَقَلَةِ الْمَغَازِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَغْزُو وَمَعَهُ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَفِي بَعْضِهَا قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. وَأَمَّا وَجْهُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: "إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ" فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَثِقْ بِالرَّجُلِ وَظَنَّ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلْمُشْرِكِينَ, فَرَدَّهُ وَقَالَ: "إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ" يَعْنِي بِهِ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ.

قَوْله تَعَالَى: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ} قِيلَ فِيهِ: إنَّ مَعْنَاهُ" هَلَّا" وَهِيَ تَدْخُلُ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ, فَإِذَا كَانَتْ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَهِيَ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ, كَقَوْلِهِ: "لِمَ لَا تَفْعَلُ" وَهِيَ هَهُنَا لِلْمُسْتَقْبَلِ, يَقُولُ: هَلَّا يَنْهَاهُمْ وَلِمَ لَا ينهاهم وإذا كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>