[مطلب: ورد من بعض الخصوصيات لبعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم]
وَمَا ذُكِرَ مِنْ خُصُوصِيَّةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ صَحِيحٌ, وَقَوْلُ الرَّاوِي: "لِأَنَّهُ كَانَ بَيْتُهُ فِي الْمَسْجِدِ" ظَنًّا مِنْهُ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِتَوْجِيهِ الْبُيُوتِ الشَّارِعَةِ إلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ الْمُرُورَ لِأَجْلِ كَوْنِ بُيُوتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ, وَإِنَّمَا كَانَتْ الْخُصُوصِيَّةُ فِيهِ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ, كَمَا خُصَّ جَعْفَرُ بِأَنَّ لَهُ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ دُونَ سَائِرِ الشُّهَدَاءِ, وَكَمَا خُصَّ حَنْظَلَةُ بِغَسْلِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ حِينَ قُتِلَ جُنُبًا, وَخُصُّ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ بِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى صُورَتِهِ, وَخُصَّ الزُّبَيْرُ بِإِبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لَمَّا شَكَا مِنْ أَذَى الْقَمْلِ; فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ سَائِرَ النَّاسِ مَمْنُوعُونَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مُجْتَازِينَ وَغَيْرَ مُجْتَازِينَ. وَأَمَّا مَا رَوَى جَابِرٌ: "كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ مُجْتَازًا وَهُوَ جُنُبٌ" فَلَا حُجَّةَ فِيهِ; لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ, وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: "كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُصِيبُهُمْ الْجَنَابَةُ فَيَتَوَضَّئُونَ ثُمَّ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فَيَتَحَدَّثُونَ فِيهِ" لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَلِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَحْظُرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ; وَلَوْ ثَبَتَ جَمِيعُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رُوِيَ مَا وَصَفْنَا لَكَانَ خَبَرُ الْحَظْرِ أَوْلَى; لِأَنَّهُ طَارِئٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَا مَحَالَةَ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا وَلَمَّا ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ حَظْرُ الْقُعُودِ فِيهِ لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الِاجْتِيَازِ تَعْظِيمًا لِلْمَسْجِدِ; وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي حَظْرِ الْقُعُودِ فِيهِ هُوَ الْكَوْنُ فِيهِ جُنُبًا وَذَلِكَ موجود في الاجتياز,
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute