[مطلب في أن ثبوت السحر يكون إما باقتصاص الأثر وتتبعه وإما بالإخبار]
قَالَ: فَقُلْت لِأَبِي يُوسُفَ: مَا السَّاحِرُ؟ قَالَ: الَّذِي يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مِثْلُ مَا فَعَلَتْ الْيَهُودُ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ إذَا أَصَابَ بِهِ قَتْلًا، فَإِذَا لَمْ يُصِبْ بِهِ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْ; لِأَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ; إذْ كَانَ لَمْ يُصِبْ بِهِ قَتْلًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَ بَيَانُ مَعْنَى السِّحْرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْقَتْلَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَقَدَ فِي السِّحْرِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَشْوُ مِنْ إيصَالِهِمْ الضَّرَرَ إلَى الْمَسْحُورِ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَلَا سَقْيِ دَوَاءٍ; وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ سِحْرُ الْيَهُودِ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى جِهَةِ إرَادَتِهِمْ التَّوَصُّلَ إلَى قَتْلِهِ بِإِطْعَامِهِ، وَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى مَا أَرَادُوا، كَمَا سَمَّتْهُ زَيْنَبُ الْيَهُودِيَّةُ فِي الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ فَأَخْبَرَتْهُ الشَّاةُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: "إنَّ هَذِهِ الشَّاةَ لَتُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ".
قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسْلِمِ إذَا تَوَلَّى عَمَلَ السِّحْرِ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ; لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَدَّ بَاطِنًا لَمْ تُعْرَفْ تَوْبَتُهُ بِإِظْهَارِهِ الْإِسْلَامَ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ، إلَّا أَنْ يَضُرَّ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا قَالَ السَّاحِرُ: أَنَا أَعْمَلُ عَمَلًا لِأَقْتُلَ فَأُخْطِئُ وَأُصِيبُ وَقَدْ مَاتَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ عَمَلِي; فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ قَالَ: عَمَلِي يَقْتُلُ الْمَعْمُولَ بِهِ وَقَدْ تَعَمَّدْت قَتْلَهُ; قُتِلَ بِهِ قَوَدًا، وَإِنْ قَالَ: مَرِضَ مِنْهُ وَلَمْ يَمُتْ أَقْسَمَ أولياؤه لمات منه ثم تكون الدية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute